«لا أستطيع تخيل شكل مستقبلي ما دمت لا أعرف إن كان بإمكاني البقاء في ألمانيا أم لا».. قالتها بابتسامة وعينين مفتوحتين، متابعة: «لديّ أحلام كما غيري من الناس. أرغب في الذهاب إلى الجامعة وهذه أمنية. ليس أمرا جميلا أن نشاهد كيف يمكن لأناس آخرين أن يفعلوا ما يطمحون إليه فيما شخص آخر عاجز عن الإمساك بحياته». كانت لحظة استغاثة تلفزيونية سيوثقها التاريخ حتما.. من يمكنه النجاة من مشاعر التعاطف حيال وجه شفاف وعينين معبرتين كعيني ريم، الطفلة الفلسطينية ذات الأربعة عشر ربيعا، وهي تروي معاناتها وأسرتها بألمانية فصيحة، وتحكي عن مخاوفها من احتمال ترحيلها من ألمانيا قبل أن تنهمر دموعها. بدت ريم التي تصدرت نظراتها الحائرة أغلفة العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية الألمانية وجه القهر الأوروبي للقادمين الجدد إليها. خلال ثوان وجدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المصنفة أنها أقوى نساء الأرض نفسها في موقف لا تحسد عليه، وهي التي كانت قد لقنت رئيس وزراء اليونان درسا قبل أيام. لكن دموع ريم ومحنتها التي شاهدها الألمان ومعهم العالم وضعت ميركل وحكومتها في موقف محرج، خصوصا أن تلك اللحظات أثارت بشكل مكثف أسئلة حقيقية بشأن المعضلة الإنسانية للهاربين إلى أوروبا من دول الشرق الأوسط، وهو ما دفع بنخب سياسية ألمانية إلى التحرك سريعا من أجل تغيير القوانين الخاصة باللاجئين في ألمانيا. ندوة تلفزيونية بين طلاب وميركل أمر يتكرر حدوثه من حين لآخر، لكن تلك المواجهة بين ميركل والطفلة ريم كانت شيئا آخر تماما. لقد شرحت ريم لإحدى عشر دقيقة في الندوة لميركل حكايتها، بدءا من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حيث نجمت عن ولادتها هناك مضاعفات أثرت عليها صحيا وجعلتها غير قادرة على السير بشكل طبيعي، وما أعقب ذلك من مسار طويل ومعقد عاشه أهلها إلى أن تمكنوا من نيل تأشيرة علاج في ألمانيا قبل خمس سنوات، ومنذ ذلك التاريخ هم يعيشون على أمل مزدوج: شفاء ريم والحصول على الموافقة على لجوئهم إلى ألمانيا. لكن قبل أسابيع جاءهم الرد بأن طلبهم تم رفضه. الأرجح أن ريم، التي تفوقت في دراسة اللغة الألمانية، تحمست حين دعيت للمشاركة في لقاء تلفزيوني مع ميركل كي تعبر لها عن محنتها، وهو ما حصل فعلا، لكن ما لم تتوقعه ريم هو أن نقاشها مع ميركل سيخلف كل هذا الاهتمام لدى الرأي العام الألماني والأوروبي. صحيح أن المستشارة الألمانية فشلت في مواساة الفتاة، رغم أنها ربتت على كتفها، لكن ردها حين قالت لها إنه ليس بإمكان كل طالبي اللجوء البقاء في ألمانيا وبأن السياسة أحيانا تكون قاسية أثار في وجهها موجة من ردود الفعل. لقد نال ميركل نقد لاذع حين أجابت عن تساؤلات ريم بشكل سياسي تقني. صحيح أنها كانت صريحة وواضحة، لكن قضية اللاجئين ليست قضايا جماعية، بل هي قضايا أفراد وتحتاج حكايات كل فرد منهم لأن تروى وتقال تماما كما حكاية ريم. هذا النقاش بدأ يعلو في ألمانيا وأوروبا، فالضجة التي أثارتها مواجهة ميركل مع ريم فتحت العيون على مخاوف آلاف اللاجئين المهددين بالترحيل القسري في أي لحظة. لقد نجحت ريم بعد اللقاء التلفزيوني في تغيير مسار حياتها، وأكد مسؤولون أنه لن يتم ترحيلها وعائلتها وأنها ستبقى في ألمانيا. لكن ماذا كان سيحصل لم لو تبك ريم ولو لم نشاهد دموعها التي أيقظت التعاطف وحركت المشاعر؟ هناك اليوم من ساعد ريم، وهي فعلا تستحق أن تحقق ما تطمح إليه.. لكن من سيساعد الآخرين؟ لعل ما خلفته حكاية ريم من نقاش واهتمام يفتح المجال أمام من لم تتح له رواية معاناته على التلفزيون. diana@ asharqalawsat.com