الحالة الأكاديمية في العالم العربي لا تسر، إذ لم تسجل الجامعات العربية أي مراكز متقدمة في التصنيف الصادر أخيراً عن مركز التصنيف العالمي للعام 2015، وجاءت أربع جامعات سعودية، ومثلها مصرية، في قائمة الـ1000 جامعة، وغابت الجامعات السعودية البالغ عددها 28 من المراكز الـ500 الأولى، كما غابت بقية الجامعات العربية. هناك عدة معايير تختلف باختلاف التصنيف والدولة الصادر عنها، لكن المؤكد أن الحال مـــتقاربة في معظم هذه التصانيف التي تعتمد على جودة البحث، توظـــيف الـــخريجــين، النظرة العالمية للجامعة، وجودة التعليم، وحصول الأكاديميين على جوائز وأوسمة دولية، والنشر العلمي وبراءات الاختراع. لدينا جامعات عريقة يطاول عمر التأسيس لبعضها قروناً عدة (الأزهر، الزيتونة، الخرطوم، بغداد، بيروت، تونس، فالرباط) تغيب عن معظم القوائم العالمية ولعله من نافلة القول إن كل ذلك يعود إلى التراجع العلمي كجزء من منظومة التراجع أو الرجعية التي تطغى على المنطقة العربية، أو غالبية بقاعها من أجل الدقة والإنصاف. نعاني باعتبارنا عرباً من عدم وجود استراتيجية وخطط واضحة طويلة المدى لكثير من مناحي التنمية، ونتائج تصنيفات الجامعات تعكس ذلك في مجال التعليم والبحث العلمي، وربما يتبادر إلى الذهن ضعف الإمكانات، لكن ذلك لا يبدو سبباً مقنعاً، خصوصاً أن الدول الغنية عربياً مثل دول الخليج تعيش الوضع ذاته. السعودية مثلاً عضو في مجموعة الـ20 الاقتصادية، أي أنها أحد أقوى 20 اقتصاداً على مستوى العالم، لكن هذا الثراء لم ينعكس بعد على الجامعات رغم أنه انعكس على مناحٍ صناعية على سبيل المثال إذ يوجد أحد الأسباب الجوهرية المتمثل في البحث العلمي الذي تتبناه شركات البتروكيماويات، المجال الأكثر تطوراً في الصناعة الوطنية. لا يزال الدور الذي تقوم به الجامعات العربية في تطوير المعرفة والإسهام في التنمية ضعيفاً نسبياً، ربما لاعتمادها أكثر على وظيفة التعليم، وعدم الاهتمام الكافي بالبحث العلمي، فغالبها يمكنني وصفه بمدارس كبيرة، أو مدارس للكبار. لقد أثبتت السنون أن التقدم العلمي وتوطين التكنولوجيا ليسا من أولويات الجامعات العربية، فما يصرف على البحث العلمي من إجمالي الإنفاق السنوي العام يعتبر الأدنى مقارنة بدول كثيرة شرقاً وغرباً. لكي نستطيع اللحاق بركب العلم والتكنولوجيا والمنافسة في التقدم الحضاري العالمي تجب زيادة الإنفاق في مجال التعليم والبحوث وتوطين العلم لمن لا ينفقون، أو إعادة النظر في كيفية الإنفاق وتوزيعه ليعود بمردود أفضل لمن ينفقون سخياً على التعليم كالسعودية وبعض دول الخليج. ولكي تستطيع الجامعات أن تكون ضمن تصنيفات التقدم العالمية نحتاج إلى إعادة النظر في هياكلها وأنظمتها الرسمية، ثم تنفيذ ثورات حقيقية على ما تكلس من أدائها وطرقها سواء في التعليم، أم البحث العلمي، ونحتاج أيضاً إلى بلورة علاقة الجامعة بالمجتمع في شكل لا يجعلها مكاناً لتخريج الموظفين فقط، بل لإنتاج الجزء الأهم من ثقافة وحضارة الناس. من جريدة الحياة