تغيرت العلاقات المصرية الأميركية فجأة فبعد سنتين من التوتر في العلاقات بين البلدين منذ الإطاحة بالرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي ووسم العالم لما حدث بالإنقلاب استطاع الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي تولي زمام الأمور وإعادة العلاقات مع دول العالم جميعًا ولعل أميركا تعتير أخر دول العالم الكبرى التي أعادت التفكير في عودة العلاقات مع مصر. فبعد أن أعلنت الولايات امتحدة الأميركية أنها أوقفت توريد طلبات أسلحة إلى مصر منذ أكتوبر 2013، إلا أن أوباما أبلغ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في اتصال هاتفي في 31 من مارس أن الولايات المتحدة سوف تستأنف توريد الأسلحو لمصر. وعلى الرغم من أن أوباما لم يخفض حجم المساعدات العسكرية الأميركية لمصر (تقدر حاليا بـحوالى 1.3 مليار دولار)، إلا أنه أدخل في مارس الماضي تعديلات على طريقة تقديم تلك المساعدات السنوية، بشكل يقلص من قدرة مصر على الاستفادة منها بداية من عام 2018. وقام الكاتب والباحث الصحفي علاء بيومي بكتابة تحليل عن استئناف توريد الأسلحة إلى مصر في موقع العربي الجديد. ويقول كان خبرا سارا لنظام السيسي، القادم بعد انقلاب عسكري، والباحث عن الاعتراف الدولي، عودة توريد الأسلحة لمصر إلا أن أوباما أتبعه بخبرين سيئين للغاية. الأول، أنه بداية من العام المالي 2018 سوف توجه أميركا مساعداتها العسكرية لمصر لأربعة مجالات دفاعية، هي حماية الحدود والبحرية وسيناء ومكافحة الإرهاب، ما يعني أن أميركا لن تترك المجال مفتوحا أمام الحكومات المصرية لاختيار أنواع الأسلحة التي تشتريها بالمعونة الأميركية، ويعني أيضا أن أميركا تريد أن تورّد لمصر أسلحة دفاعية بالأساس. الخبر الثاني، وهو ربما الأسوأ، أن أوباما قرر أنه مع بداية العام المالي نفسه (2018) إلغاء قدرة مصر على شراء أسلحة، بضمان المعونة الأميركية نفسها. ومنذ اتفاقية كامب ديفيد، منحت أميركا مصر، بالإضافة إلى المساعدات، ميزة خاصة للغاية، هي أشبه بخط ائتمان يسمح لمصر باستيراد أسلحة بضمان من الحكومة الأميركية نفسها، وهي ميزة لا تمنحها أميركا إلا للحلفاء المقربين، وهي باتت مقصورة حاليا على مصر وإسرائيل فقط، وستفقدها مصر بداية من عام 2018. والواضح، هنا، أن تعديلات أوباما تدخل حيز التنفيذ في عام 2018، بعد خروج أوباما نفسه من الحكم، ما يعني أن الرئيس الأميركي القادم قد يغيرها أو يلغيها، لكن تقرير خدمة أبحاث الكونغرس يفيد بأن هناك شبه إجماع داخل الكونغرس على التعديلات الأخيرة، والتي تؤشر إلى تغير أولويات السياسة الأميركية تجاه مصر. يتناول أسبابَ هذا التغيير، باستفاضة، تقرير ثان لخدمة أبحاث الكونغرس، صدر في 24 يوليو 2015 و يكشف التقرير كيف تغيرت نظرة أميركا لمصر على المستوى الاستراتيجي، في السنوات الأخيرة، بسبب تغيرات إقليمية ضخمة، قد لا ترتبط بالضرورة بالربيع العربي، حيث يقول التقرير إن "سياسيين أميركيين باتوا ينظرون لمصر على أنها بلد أقل أهمية استراتيجية لمصالح الأمن القومي الأميركي، مقارنة بالسنوات الماضية". السبب الأول لتراجع أهمية مصر الاستراتيجية لدى أميركا تراجع أهمية المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية لدى صانع القرار الأميركي في السنوات الأخيرة، حيث باتت أميركا تنظر إلى قضايا مثل مواجهة داعش والاتفاق النووي مع إيران أهدافاً رئيسية لسياستها، وكانت مصر تلعب دور الوساطة في المفاوضات، وهو دور انحسر مع تراجع أهمية المفاوضات نفسها. السبب الثاني يرتبط بضعف الدور العسكري المصري في حروب أميركا في المنطقة عموماً، ومع داعش، فمصر لم تخض أي حروب بجوار أميركا في الشرق الأوسط منذ حرب تحرير الكويت، والجيش المصري تقليدي، يركز على الحروب التقليدية (في مواجهة الجيوش) وليس لديه الكثير ليقدمه في حروب العصابات، وفي حرب كالتي تخوضها أميركا ضد داعش. في مقابل ذلك، تلعب دول، كالإمارات واليمن، دوراً أكبر في دعم أميركا في مواجهتها مع داعش، مثلاً. السبب الثالث أن هجمات "11 سبتمبر 2011"، والتي شارك فيها مصريون وسعوديون أقنعت السياسيين الأميركيين بأن حالة الاحتقان السياسي في الدول العربية وغياب الحريات والديمقراطية تغذي عدم الاستقرار في المنطقة والعالم، ما جعل أميركا أكثر حرصا على السعي إلى الموازنة بين قيمها ومصالحها في المنطقة. ويمكن أيضا الإشارة إلى سبب رابع، تتحدث عنه دراسات مختلفة، هو الانسحاب الأميركي من المنطقة بشكل عام، وحرص أميركا على عدم التوغل في خلافات الإقليم، وخصوصاً المسلحة منها، وكيف أنها باتت تطالب بدور أكبر للقوى الإقليمية في حل مشكلات المنطقة. وهنا يظهر كيف لعبت دول خليجية دوراً متزايداً في توجيه دفة الأمور في القاهرة، بدعمها للانقلاب على التحول الديمقراطي، ودعم السيسي بالمال، بل ودعم توجهه إلى شراء أسلحة من دول أخرى، غير الولايات المتحدة، كروسيا وفرنسا، نوعاً من موازنة الدور الأميركي في المنطقة. وهنا، تشير دراسة صدرت في مارس الماضي عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إلى صعود تدريجي لنظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط "تدخل فيه مصر شريكة مع الخليج، في نظام جديد يقوم على التحولات الاقتصادية الليبرالية المحكومة من أعلى، والنظم السياسية السلطوية، والمحافظة الدينية العازفة عن التدخل في العمل السياسي، والعلاقات المتناقضة مع الولايات المتحدة". وهنا، يفيد تقرير خدمة أبحاث الكونغرس، عن التغييرات التي أدخلها أوباما على المعونة العسكرية لمصر، بأن تلك التغييرات لم تحظ منذ إقرارها، في مارس/آذار الماضي، بأي نقاش علني، سواء في القاهرة أو واشنطن، في إشارة إلى نوع من الارتباك، وربما العزوف المسيطر على العلاقات المصرية الأميركية من الطرفين، وهما ارتباك وعزوف يتوقع لهما الاستمرار في المستقبل المنظور.