نشر وزير الخارجية الإيراني الأستاذ محمد جواد ظريف مقالة في شكل رسالة لمن يهمه الأمر في الجوار الإيراني، وأحسب أن المقصود العرب، حيث إنها نشرت باللغة العربية وفي وسائل إعلام عربية، وهي في جملتها تقع في إطار الدبلوماسية الشعبية التي تبناها ظريف، فقد كتب للغرب والعرب على حد سواء. لا أعرف إن كانت نفس الرسالة قد نشرت بالفارسية في إيران! أو بالتركية في تركيا!، فهم أيضا الدائرة التي تحيط بإيران، أو قل الدائرة الناشطة! اختار الأستاذ ظريف عنوانا لافتا «الجار ثم الدار» حاولت أن أستقصيه في لسان العرب فلم أجد نصًا بنفس المعنى على كثرة النصوص العربية والإسلامية للتوصية على الجار والعناية بأموره، وربما هي حكمة فارسية ليس لعاقل أن ينفي أهميتها. وحتى لا نذهب بعيدا في التحليل، فإن الخطاب المفتوح يحمل الكثير من الإشارات، بعضها إيجابي وبعضها سلبي، وقبل الدخول في مناقشة نقاطها المهمة، فإن المتابع من هذه الضفة العربية يتساءل هل هذا الخطاب هو ما تعتقد به الإدارة العليا للجمهورية الإسلامية، أو هو فقط من مبادرات مجموعة، دعنا نسميها (المجموعة الإصلاحية) لأن أحد العوائق التي تقف أمام تصديق الخطاب هو التناقض الكبير في التصريحات بين عدد من أعمدة الحكم الإيراني، الذي تفجره المنافسة واختلاف الرؤى، عدا التناقض الواضح في الفعل على الأرض (الذي سوف نناقشه لاحقا)، ومن جهة أخرى هل يمكن الوثوق بهذا الخطاب (على ما يحمله من نقائص) أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مناورة سمعنا مثلها في السابق من إدارات إيرانية أخرى على مر العقود الثلاثة الماضية، ثم تبخر الكلام وبقي الفعل السلبي ذاته. أرى أنه من الخطأ الذهاب إلى تفسير النيات، ولكن أيضا من الخطيئة الاستكانة أو عدم اليقظة، فإن «بعض الشك من الفطن». هناك نقاط في خطاب ظريف لا يمكن الاختلاف عليها «حسنت النيات أو ساءت» منها كما قال: «إن المنطقة تمر باضطرابات وتواجه مخاطر، وإن المطلوب البحث عن آليات تساعد جميع بلدان المنطقة على اجتثاث جذور وعوامل التوتر وغياب الثقة»، كما يقترح ظريف بعض تلك الآليات منها «تشكيل مجمع للحوار الإقليمي» كما نوافق ظريف أن الاتفاق النووي ليس مضرا، كما هو الآن، للمنطقة، هو فرصة لتوجه إيراني جديد نرجوه، كما أن الفوضى والاضطراب لا تعرف حدودا! كل هذا صحيح. ما نريد أن نستأذن وزير الخارجية الإيراني بالاختلاف معه قوله: «إيران تعتمد على شعب يمتاز بالمرونة والصمود في مواجهة النزعة السلطوية، وتعيش بفضل الله في أمن وأمان) وإن كانت العبارة السابقة في سياقها الدبلوماسي مفهوم أن تصدر منه، فإن أكبر المشكلات التي يمكن أن يواجهها ومؤيدوه الاطمئنان إلى «الأمن والأمان» في مرحلة سوف تبدأ فيها الشعوب الإيرانية بطرح الأسئلة الصعبة، كما سوف يبدأ المتشددون بوضع العقبات التي بدأت بوادرها تظهر إلى العلن، فإن هناك شعوبًا إيرانية وأيضًا شرائح اجتماعية ترى غير ما يراه السيد ظريف في هذا المنحى، على رأس ما هو ظاهر الوضعين الاقتصادي والحريات! وهو أخبر من الجميع في ذلك، ومرة أخرى تلك قضية إيرانية تقوم الشعوب الإيرانية بحلها. أما بيت القصيد في الرسالة (المقال) دعوته للحوار الإقليمي «وفق مبادئ مشتركة وعامة تعترف بها دول المنطقة وأهمها احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول، واستقلالها السياسي، وعدم انتهاك حدودها والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتسوية الخلافات سلميا، ومنع التهديد واستخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار وتحقيق التقدم والسعادة في المنطقة».. كلام لا أجمل منه ولا أعقل! ولكن هل سأل السيد ظريف نفسه ترى من يتدخل في شؤون الدول الأخرى؟ هل المحاربون العرب في كازرون مثلا أو فيروز آباد أم المحاربون الإيرانيون في سوريا؟! ومن يقتل وبيد من؟ ومن يناصر تلك القوى التي تأتمر بأوامر إيران مثل حزب الله أو الجماعات العراقية الفئوية، مثل وحدة الخراساني وجيش المختار وغيرها من الجماعات التي تحارب بسلاح وذخيرة وخبرة إيرانية لتقتل العرب؟ ترى من ينظم ويدرب ويمول الكثير من الجماعات في كل من سوريا والعراق واليمن والبحرين (وكلها دول جارة)، متدخلاً علنًا في شؤونها الداخلية؟ فقط على المتابع أن يقرأ بعض تقارير المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، ليعرف كم هي عميقة تلك التدخلات، ثم من تشيع صُوره من القادة العسكريين العرب على الأرض الإيرانية، لا أحد! ولكن السيد قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الرسمي الإيراني، التابع لحرس الثورة الإسلامية، يبدو فخورا أمام وسائل الإعلام بما يفعل حتى أصبح (أيقونة) في أكثر من أرض عربية! حقيقة الأمر الملف الخاص بالتدخلات في الجوار ثقيل ومتشعب وقائم على آيديولوجيا يعرف السيد ظريف أنها متمكنة وأصبحت مصلحية في جوانب من هيكلية النظام الإيراني. لا أحد يناقش أو يعترض أن تقوم إيران ببناء مشروع نهضوي خاص بها، بالطريقة التي تلائمها وتقبل به شعوبها، ذلك حق مطلق لا نقاش حوله، الاعتراض على اليد الإيرانية التي تستخدم في الغالب أدوات عربية تحت شعارات مختلفة من أجل إشاعة الاضطراب في المنطقة. يطلب السيد ظريف أن يحارب الجميع الإرهاب، وهو محق، ويرى كيف تقوم دول المنطقة بمحاربة «داعش» واستنكار ما تقوم به من أعمال بهيمية. ولا يوجد أي نوع من العلاقة بين تلك الجماعة ودولة عربية، إلا أن العلاقة قائمة بين جماعات تفعل نفس الفعل تقريبا (الإرهاب) في جيرانها ومواطنيها، وهي مناصرة علنا من النظام الإيراني، ويعرف السيد ظريف تفاصيل ذلك وربما بالأسماء. ويطرح السيد ظريف خطة للخروج من مأزق اليمن (للحوار بين الأطراف) ولكن كيف يتم ذلك وبعض تلك الأطراف تغتصب السلطة وتحتكر السلاح مثلها مثل حزب الله الذي يدين علنا لطهران، ويحتكر السلاح إلى درجة - كما نقل أخيرا - القيام بتعطيل الأخوة المسيحيين في قرية مليخ الجنوبية عن إتمام صلاتهم بالقوة! الآلية المقترحة من السيد ظريف لحل المشكلات العالقة مثيرة للعجب، فهو في اليمن يتجاهل قرارًا دوليًا، رقمه بالمناسبة 2216 بتاريخ 14 أبريل (نيسان) هذا العام، يحدد آلية الحل في اليمن، كما يتجاهل في سوريا قرارات «جنيف 1»، وهي دولية أيضا، وفي العراق يتجاهل أهمية تسليح أبناء الأنبار للدفاع عن أرضهم، أما في لبنان الذي يحتضر كدولة، فإنه يتجاهل أرضية الحل الكامنة في أن لا سلاح إلا سلاح الدولة! إذن أرضية الحلول موجودة، إن حسُنت النيات دون اجتهاد لحلول جديدة! في التراث الإسلامي للجار حقوق كما قال السيد ظريف، ولكن أول تلك الحقوق وعلى رأسها (كف الأذى) الذي نرجو أن يتفضل السيد ظريف بكتابة مقال آخر حول طريقة كف الأذى عن الجار العربي! آخر الكلام الهولوكوست الذي ارتكبته مجموعات المستوطنين في فلسطين بحق رضيع هو علي سعيد دوابشة، عن طريق حرقه حيًا لا تقل بشاعة عن فعل نظام أدولف هتلر في الهولوكوست، (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا). من جريدة الشرق الأوسط