2015-10-10 

الإرهاب والجدل الديني

داود الشريان

كلما وقع حادث إرهابي هرعنا الى حوار حول تأثير الرؤية المتطرفة للدين على هؤلاء الإرهابيين، ودخلنا في نقاش يُكرس تلازم الإرهاب بالدين. فاق جدلنا في قضية الإرهاب والدين الصراع الفكري الذي تلا ما يسمّى «الفتنة الكبرى» في التاريخ الاسلامي، وما نتج عنها من فرق وشعارات ايديولوجية. لكن الإرث الفكري الناتج عن تلك الفتنة، على رغم عمقه، ودوره في صنع فرق ومحازبين، وفقهاء يؤيدون «القدرية»، أو يدافعون عن «الخوارج»، بقي هذا الإرث في بطون الكتب. لم يتحول الى نقاش عام وشائع بين العامة من الناس. لم يكن له تأثير واسع في سلوك المسلمين ومواقفهم، مثلما فعل نقاشنا حول علاقة الإرهاب بالدين. نحن بلعنا الطعم، واستعذبنا النقاش المهلك. الجماعات الإرهابية استخدمت الدين، مثلما تستخدم المخدرات، والنساء، والفقر والجهل، وتهيئة الطموح، غير المحدود، لشاب جرى استغلاله، وإشباع غرائزه وعقده بطرق شتى. تركيزنا على ربط الإرهاب بالدين، غيّب بقية الوسائل المستخدمة في عمل هذه الجماعات، التي لا يختلف اسلوبها في تجنيد المقاتلين، عن عصابات تهريب المخدرات والاثار، وغسل الاموال، ومن يعاود قراءة ما جرى ويجري في أفغانستان سيجد ان جماعات تقتل وتدمر الحياة باسم الجهاد، هي مجرد واجهة لعصابات تتاجر بحقول الهيروين والحشيش. والاخطر في تأثير خطابنا حول الارهاب والدين، هو الانسياق وراء هذه الفكرة الى درجة وصولنا الى ما يسمّى تجديد الخطاب الديني، فتوارى التمييز عند بعضهم، بقصد أو من دونه، بين الخطاب الديني، والنصوص المقدسة الثابتة، فنشأ فريقان حول هذا الجدل: الاول ينطلق من خلفية رافضه للدين، ويسعى لنسفه، كحل للخروج من الازمة، والثاني فرض عليه خوفه على ثوابت الدين الدفاع عن آراء ونصوص لا قدسية لها، ومشكوك في صحتها. والنتيجة ان هذا الجدل أفضى الى نمو مشكلة التطرّف الديني وتفاقمها، وعوضاً عن هزيمة التطرف والارهاب زدنا عدد المتطرفين، والمتعاطفين مع الارهاب، وهذه نتيجة طبيعة، فمعظم الناس وجد أن الهجمة على ما يسمّى «التطرف الديني» المفضي الى الارهاب يشوّه صورة دينه، فضلاً عن أنه اصبح أسيراً لهذا النقاش، ولم يعد يستمتع بغيره، أو يجد بديلاً منه. لا بد ان نفكر خارج الصندوق في تعاملنا مع الارهاب. نكف عن الاستشهاد بالدين ونحن نتحدث عنه. ونحيد الدعاة في هذا النقاش، أو نبعدهم. نقاشنا بهذه الطريقة لا يختلف عن الشرب من ماء مالح. الارهاب جريمة منظمة تقف خلفها أجهزة استخبارات، وتديرها عصابات دولية تستخدم كل الوسائل بما فيها الدين، لتحقيق أطماع مختلفة. في بداية ستينات القرن العشرين، تخصص نفر من الباحثين في الدراسات الاسلامية في قضايا الخلاف بين المسلمين، فأصبح هؤلاء يؤججون هذه القضية حماية لمكانتهم العلمية ومصالحهم، لكن ظروف المجتمعات في ذلك الوقت، وغياب وسائل الانتشار، أضعفت تأثيرهم. اليوم هناك جيش من المتخصصين في الارهاب والدين، فضلاً عن الاحزاب والجماعات ومراكز الدراسات التي ترى مصلحتها في استمرار الجدل الديني في قضية الارهاب. والحل هو تغيير الدندنة. ترحيل هذا النقاش الى بطون الكتب، وفتح صفحة جديدة لحوار مختلف، رواده المهندس، والطبيب، والفنان، والشاعر، والروائي، واستاذ الجامعة، ولجم المتاجرين بالدين، وبالحرب عليه. لا بد أن نفر من ضيق هذا النقاش الى سعة الدنيا وجمال الحياة.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه