بعد التوقيع على الاتفاقية النووية بين إيران والدول الست، وبموافقة الأمم المتحدة تكون إيران قد تّخلت عن مرحلة اتسمت بالتوتر والنزاع مع العالم، وانتقلت إلى عالم جديد مفتوح لتحقيق المزيد من النجاحات في التخلص من العزلة الدولية، والاتجاه نحو معالجة المشكلات الكثيرة التي مازالت عالقة، وخاصة مشكلاتها مع الدول الخليجية. إن الاتفاق النووي بلا شك فرصة مناسبة لاتخاذ المبادرات وبروح الثقة والحرص لإنهاء كل ماهو عالق من ملفات ظلت ومازالت محل خلافات تحتاج المعالجة والاتفاق عليها. إن استقراء الحالة التاريخية لأوجه العلاقة الإيرانية - الخليجية يدل على عمق الفجوة في هذه العلاقات، فللأسف، مازالت العلاقات متشنجة تسودها الريبة وعدم الثقة رغم ما نسمع من تصريحات إيرانية مطمئنة تهدف كسر الجمود، وتخفيف التوتر، لكنها بالنسبة للدول الخليجية غير كافية، فلا بد من تلمس أشياء عملية تترجم على أرض الواقع تذيل التوترات والشكوك، وتوطد العلاقات، وتدفع نحو تنمية المصالح المشتركة في ظل عدم التدخلات في شؤون الغير... وإذا كان الاتفاق النووي قد فتح صفحة جديدة في علاقات إيران بالعالم فإنه من الأولى أن تبدأ هذه الصفحة باتخاذ مبادرات إيرانية عاجلة لمعالجة كل الملفات العالقة بينها وبين الدول الخليجية كعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والابتعاد عن الطرح المذهبي كتصدير الثورة الإسلامية، وحل مشكلات الجزر الإماراتية، ومعالجة مشكلات الجرف القاري مع الكويت، وحرية الملاحة في بحر الخليج، وغيرها من مسائل لها أهمية بالغة في تعزيز ثقافة حسن الجوار وسيادة كل دولة على أراضيها. فالهدف المشترك في النهاية هو التوصل إلى تفاهمات بناءة للقضايا التي تساهم في توطيد العلاقات بين دول الخليج وإيران لأن في ذلك منافع كثيرة لشعوبها. لا شك أن التوصل إلى معالجات صحيحة للملفات المعقدة بين إيران والدول الخليجية رغم تعقيداتها إلا أنها ليست مستحيلة في ظل التوجهات الجديدة لإيران في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، والرغبة في الاستقرار، والالتفات إلى التنمية، وتحسين أحوال شعوب المنطقة. لهذا فالاستباق الإيراني في كسر حاجز الجمود والتردد والشك وعدم الثقة لدى الدول الخليجية له أهمية بالغة، ليس فقط في تسهيل المعالجات المطلوبة، وإنما كذلك في تأكيد نوايا إيران الإيجابية في إقامة علاقات متينة مع الدول الخليجية مبنية على الاحترام، وتبادل المصالح، وغيرها. ومما يدعو إلى اتخاذ مبادرات إيرانية وخليجية الرغبة في إزالة المخاوف الخليجية التي ما زالت قائمة، واختبار مدى الجدية الإيرانية في ترجمة بنود الاتفاقية النووية، خصوصا وأن الاتفاقية تنص على رفع الحصار الاقتصادي، والإفراج عن نحو(150) مليار دولار مستردة هي قيمة الأموال المجمدة في الغرب. والسؤال، كيف ستستثمر إيران هذا المبلغ الضخم؟ هناك اعتقاد خليجي في أن المال الضخم قد يستغل في بناء القدرات العسكرية الإيرانية، وبالتالي المزيد من التدخل في الحروب الدائرة في العراق وسورية، بينما هنالك من يرى أنها ستستثمر في تحسين مستوى المعيشة في إيران. المهم ان تبادر إيران في طمأنة الدول الخليجية من خلال العمل باستراتيجية شفافة وواضحة لسياستها المقبلة في المنطقة والتي تترجم الاتفاقية النووية الإيرانية التي وافقت عليها الأمم المتحدة إلى حقائق على الأرض...