وعد باستعادة عظمة بلاده، من دون أن يقدم خطة محددة لتنفيذ ذلك. وهو يستخدم تعبيرات وألفاظ دارجة ومبتذلة تجعله يبدو وكأنه رجل شارع عادي، على الرغم من أنه ملياردير. وهو نرجسي النزعة ومتعطش لجذب انتباه وسائل الإعلام. وعلى الرغم من كافة عيوبه الواضحة فإنه يحظى بشعبية كبيرة. إلى من أشير بكلماتي السابقة؟ إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل تأكيد. ولكن أوجه الشبه بينه وبين أحد السياسيين الأميركيين والمعروف باسم «دونالد» باتت واضحة. يعتبر دونالد ترامب من بعض النواحي هو النسخة الأميركية من فلاديمير بوتين. فهو على غرار الزعيم الروسي، يسعى إلى تعويض خسائر بلاده السابقة ويعود بها إلى مجدها التليد. كما أنه يعد باستعادة زمام القوة والهيبة من دون العبث بالكثير من التفاصيل. شكا دونالد ترامب إلى تشاك تود مذيع شبكة «إن بي سي» في برنامج «واجه الصحافة» يوم الأحد قائلا «إننا كدولة ليست لدينا انتصارات حقيقية. وإنه لأمر يبعث على الحزن». إن الشعار الرسمي لترامب يقول «فلنجعل أميركا دولة عظمى مجددا!»، وهي عبارة مقتبسة من خطاب قبول التنصيب للرئيس الراحل رونالد ريغان في المؤتمر الجمهوري لعام 1980، عندما تعهد ريغان بـ«حملة لجعل أميركا أمة عظيمة مرة أخرى». ولكن في حقيقة الأمر، ذلك النوع من الخطاب هو الدعامة الأساسية لكل السياسيين في جميع أرجاء العالم، الذين يخرجون في حملاتهم الانتخابية على أساس استعادة الهيبة الوطنية. وتأتي خطاباتهم في نزعتها النفسية لا تختلف كثيرا عن توجهها السياسي. قال ترامب لتود في حماسة «تشاك، لسوف أعمل بشكل جيد للغاية. ولسوف تكون سعيدا بذلك. خلال أربع سنوات، سوف تعقد معي مقابلة أخرى وسوف تقول: يا له من عمل عظيم ذلك الذي قمت به أيها الرئيس ترامب». سوف تقول «لقد حققت إحدى أعظم الإنجازات»، سوف يحدث ذلك. إن دعوات أولئك السياسيين تنبع، في جزء منها، من ثقة هوجاء بالنفس. لكنهم لا يعملون على تفسير التفاصيل الدنيوية للنهضة الوطنية، إنهم يؤكدون عليها فحسب. تذكروا شخصية «هارولد هيل» في فيلم «رجل الموسيقى»، لقد وعد بإنشاء فرقة موسيقية في ريفر سيتي، على الرغم من أنه لا يعرف كيف يعزف الموسيقى. وبوتين على شاكلة ترامب، يبدو أنه يدرك أن السلطة والظهور الشخصي توأمان غير قابلين للتجزئة، وخصوصا بالنسبة لأمة مصابة بخسائر جمة على الصعيد العسكري والاقتصادي. إنها لعبة ثقة. أعلن بوتين في ديسمبر (كانون الأول) 1999 عن رؤيته للنهضة الروسية والتي صارت تعرف باسم «رسالة الألفية». حيث شدد فيها على أهمية بناء الدولة القوية التي يمكنها استعادة الثقة الوطنية الذاتية: «مرت روسيا مؤخرا بواحدة من أكثر الفترات صعوبة خلال قرون تاريخها الطويل. حيث واجهت الخطر الحقيقي لأن تكون دولة من الدرجة الثالثة، وليس حتى من الدرجة الثانية. وللحيلولة دون حدوث ذلك، علينا بذل الجهود الجبارة من جميع القوى الفكرية والمادية والمعنوية في البلاد». يعاني ترامب من نزعة تعزيز الذات بشكل سافر أكثر من بوتين ذاته، حتى أن تعليقاته الحادة موجهة نحو أمة سئمت من الخطاب السياسي ذي الوجهين. التقريع المستمر من جانب ترامب حيال الهجرة غير الشرعية، وهي أعلى ثيمة تتميز بها حملته الانتخابية، ليس إلا جزءا من قصة طويلة وسخيفة في الولايات المتحدة الأميركية. خلال 70 عاما من تأسيس الجمهورية، كان هناك حزب معروف باسم «الذين لا يعرفون شيئا» يعمل دائما على تقريع المهاجرين، وخصوصا الكاثوليك. وعبر العقود التالية، كان القوميون يهاجمون كل تيار جديد من الطوائف الأميركية - الأيرلنديين، والإيطاليين، والألمان، والسلاف، واليهود، والصينيين، والأفارقة، كما فسر جون هيغام الأمر في كتابه التاريخي الشهير «غرباء في الأرض». ومما يثير الدهشة حول ترامب أنه نجح في جذب تلك القاعدة الشعبية الواسعة. إنه أشبه بريغان من دون المؤيدين لريغان، حيث يدير حملة انتخابية لا تكاد تحمل أي أفكار تستحق النظر. كثيرا ما تغازل الأميركيين مع الديماغوغية، منذ الأب تشارلز كوفلين في الثلاثينات حتى السيناتور جوزيف مكارثي في الخمسينات. ولكن الشخصية السلطوية البلطجية - أسلوب بوتين - لا مجال لها هنا في المعتاد. كان ذلك الصيف استثناء خاصا، ولكن التاريخ يشير إلى أنه مجرد استثناء مؤقت. من صحيفة الشرق الأوسط