سياسياً، أحسنت الحكومة السعودية بإعلان «مصدر مسؤول» أن صناديق التقاعد والتأمينات، وأية جهة حكومية أخرى لم تنفذ أية عمليات بيع أسهم منذ بداية العام الحالي، وهو إعلان لقطع الإشاعات التي ترددت وفحواها أن الحكومة سبب انخفاض سوق الأسهم الكبير، الذي ينزف النقاط منذ أيام عدة. إعلامياً، لا أجد مبرراً أن يصدر هذا الكلام عن مجهول لا يذكر اسمه، ولا منصبه، ولا حتى الجهة التي يتبعها. فقد جرت العادة أن «المصدر المسؤول» يكشف عن جهته مثل وزارة الخارجية أو الداخلية، وهما من أكثر الجهات تعليقاً وتفاعلاً مع الإشاعات. لماذا لم يخرج المتحدثون باسم صندوقي التقاعد والتأمينات، خصوصاً أنهم أكبر المستثمرين الحكوميين؟ هذا يقود إلى سؤال الاقتصاديين والموظفين في القطاعين العام والخاص: لماذا لا تنشر هاتان الجهتان موازناتهما وتفاصيل استثماراتهما دورياً، ككشف حساب يقدم للناس الذين يقتطع من أجورهم المال لمصلحتهما؟ أليس هذا حقاً للناس؟ وممارسة اقتصادية شفافة مهمة في هذه المرحلة من الشفافية السعودية، سياسياً وعسكرياً. الإشاعة التي يبدو واضحاً أن مصدرها كبار المضاربين، وليس المستثمرين في السوق، استخدِمت لجعل صغار المضاربين يبيعون أسهمهم، ولو تأملوا قليلاً لوجدوا أن الحكومة السعودية حافظت على اقتصاد قوي دوماً، وهي تنتهج سياسة محافظة يبرز أحد أمثلتها في القطاع المصرفي القوي، على رغم كل الأزمات العالمية التي مرت وتمر، وهي أصبحت «لاعباً محترفاً» وفق التعبير الرياضي في ما يتعلق بانخفاض أسعار النفط، وأيضاً عند ارتفاعها. وهي وإن كانت تحتاج إلى تغيير طريقتها الإنفاقية وأسلوب نشر موازناتها، أو حتى توزيع موازنتها، فالعالم شهد لها بتجاوز الأزمات. لا بد أن يعي الناس أن للإقتصاد دورته، وكذلك لسوق الأسهم، وهم ليسوا بعيدي عهد بانهيار السوق الشهير قبل تسع سنوات، ولا بد أن يعترفوا بأن صغار المضاربين يمارسون «المقامرة» في تعاملهم مع السوق، وأغلبهم يخسر أمواله لمصلحة كبار المضاربين. وهذا يعود إلى أسباب، أحدها أن غالبيتهم تمارس التعامل في السوق في شكل فردي، وليس مؤسسياً كما الحال في معظم أسواق الأسهم حول العالم. يبحث بعضهم عن مال سهل أحياناً، ويجده في السوق إذا ضرب الحظ معه، لكن الخطأ الأكبر هو أن كثيرين يستخدمون أموالاً يحتاجون إليها، بدليل أنهم يبيعون جماعياً، ولو كانوا يقامرون بأموال زائدة لما اضطروا للبيع، ولخف انهيار السوق. من أبسط النظريات في سوق الأسهم التي كرسها التاريخ أنه مرتبط نفسياً على الأقل ببورصة النفط، وواقع الحال ليس بعيداً عن ذلك كون النفط محرك الإنفاق الأكبر، فلماذا يتجاهل الناس هذه الحقيقة؟ لأنهم ببساطة لا يمارسون فعلاً اقتصادياً استثمارياً في السوق. خبر جيد أن صناديق الحكومة لم تبع أياً من أسهمها في الشركات السعودية، لكن الخبر الذي ينتظره الجميع هو تعافي سعر النفط بطريقة وسطية. فالسعودية لا تريده مرتفعاً جداً، لأنه إذا تطرف الارتفاع قد يتطرف في النزول، وكذا هو سوق الأسهم منذ عرفه الناس. صحيفة الحياة