ابتسم أنت في لبنان. كل ما عليك أن تفعل أن تتحسس رأسك حيثما حَلَلْت. فالغليان بات طليقاً. احصِ ما في جَيْبَيْك ليوم «عصيان» يهدِّد به طرف سياسي، ملوِّحاً بورقة «الشراكة» وأصولها وفروعها... ومهدِّداً بعصا الشارع. ولكن أليس الشارع للمجتمع المدني؟ واحد من التفسيرات لشغب المولوتوف في ساحة رياض الصلح في قلب بيروت، يجدر أن يتوقف عنده أصحاب الحراك الشعبي- الاجتماعي الذين اعتبر بعضهم أنه سينعى في تظاهرة السبت المقبل نظاماً سياسياً عفِناً، حطّم أحلامهم وثقب جيوبهم، وأغرقهم بظلام الأزمات المتناسلة منذ نحو 15 سنة. يعتبر أصحاب نظرية «مؤامرة» الساسة من كل الألوان، أن الشارع صودر على أيدي كل القوى السياسية والأحزاب التي تتبادل الركلات على أجساد اللبنانيين، كلما سنحت لها فرصة، لإثبات الوجود وترميمه... وما إن لاحت ملامح انتفاضة الغضب لدى الشباب اللبناني حتى تملّك الذُّعر تلك القوى من إمكانات تفلُّت خيوط اللعبة من أيديها. بلد التعدُّدية والحريات سُجِن في ظلام العتمة، وروائح الصفقات السياسية أشد من عفن النفايات، وطاعون أزمتها الذي حوّل قلب العاصمة مسرحاً للفوضى، وشغب «طارئ» أولى نتائجه إشاعة شبهات التطرُّف حول الشباب، ومحاولة حرق قلب بيروت بذريعة الاقتصاص من السلطة، وأداتها الأمنية. وإن كان السؤال البديهي هو لماذا الإصرار على الاعتصام والتظاهر أمام السراي الحكومي، حيث يقتنص «المندسّون» المشاغبون ذريعة لافتعال مواجهات مع قوى الأمن، قد تقود لبنان إلى الفوضى... فالسؤال- المفارقة الذي أثاره انسحاب وزراء «حزب الله» و «تكتُّل التغيير والإصلاح» (بزعامة ميشال عون) من جلسة الحكومة الثلثاء، هو عمّا وراء تجديد التكتُّل اتهام رئيس الحكومة تمّام سلام بتنفيذ انقلاب على الشراكة، وبالمسّ بحقوق الوزراء المسيحيين. وبعيداً من التفاصيل، إذا كان التوافق معطّلاً في مجلس الوزراء، فلماذا يكون التصويت بالأكثرية محرَّماً؟ أي هدف للحزب والتكتُّل، فيما تتكرر إشارات إلى دخول لبنان مرحلة اضطراب، تمهيداً لفرض «مؤتمر تأسيسي»، يطيح اتفاق الطائف، ويرسي نظاماً سياسياً بديلاً؟ قراءة أزمة النفايات وتداعياتها تتعدّى المطامر إلى المآرب، بصرف النظر عن المطالب المشروعة للمتظاهرين الذين يصرّون على انتزاع بصيص أمل بالتغيير. فما النفايات إلا آخر أزمات البلد المعطّل، على وقع جرِّه إلى مستنقع الحرب السورية. كان الهمّ الأول «التصدّي للتكفيريين» ومنع تسلُّلهم إلى لبنان. بدا أن «حزب الله» أقنع قاعدته الشعبية بأنه يدافع في سورية عن الداخل اللبناني، وبدا واضحاً رهان خصوم الحزب على تورُّطه بالحرب التي طالت. الخارج من الداخل إلى الهجرة يتخلص من الجحيم. إنه جحيم الظلام والفقر والبطالة، وطاعون صفقات تفشّى بأزمة النفايات. ابتسم أنت في لبنان. في الجرود «تكفيريون»، في العاصمة «مندسّون»، وشباب متّهمون بتلقّي دعم من سفارات، قد يُلامون لأن المعركة في سورية «أولوية»، وأيهما أهم: التصدّي للإرهابيين أم البحث عن ملذات التنعُّم بالكهرباء والمياه، والتخلُّص من النفايات؟ هل يُعقل أمام «المصالح الكبرى» الوطنية والإقليمية، أن يتلهّى اللبنانيون برفاهيتهم، متناسين أن المرحلة هي لدحر الإرهاب، وليست لإنقاذهم من عوز «طارئ»، ولا حتى للتفكير في حماية صحّتهم وبيئتهم، أو تأمين فرص عمل لشبابهم لكي لا ينجرفوا إلى فخ التطرُّف؟ إنه طاعون الفراغ في الجدار الضخم الفاصل بين جيل الشباب اللبناني، وأجيال طبقة سياسية تدير معاركها الصاخبة في وادٍ بعيد من حقوقه وتطلُّعاته. صحيح أن الرهان صعب على صمود تحرُّك شعبي «نظيف»، لا تديره الأحزاب من وراء الستار، لكنّ الصحيح أيضاً تبعاً للقاعدة اللبنانية أن كل طرف قد يتّهم الآخر بما يعدّه هو، على طريق «الانقلاب». أزمة «النفايات السياسية» في لبنان، تفتح الباب لمرحلة مغايرة، يرى فيها بعض خصوم «حزب الله» مدخلاً لنسف اتفاق الطائف، بذريعة «تصحيح» الشراكة... الفوضى ذريعة، قد تستبق تسويات إقليمية، ولـ «الانتصار» في سورية ثمن. وكما في كل أزمات لبنان، المحاصصة وباء محصّن، جاهز لأي شراكة. بعد حرب تموز (يوليو)، أُرسِيت صيغة معدّلة للشراكة محصنة بالثلث المعطّل، والتوافق المرّ. تعطلت المؤسسات، انكسر اللبنانيون في العتمة والفقر، لدى «حزب الله» ممنوع كسر الحليف العماد ميشال عون. بعد حرب سورية، أو التسوية المقبلة لتجميدها، أي فريق في الشراكة اللبنانية المطلوبة، سيكون قابلاً للكسر؟ من جريدة الحياة