«1999 نصر بلا حرب» عنوان كتاب صدر عام 1987 للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون. وهو من دون مبالغة من أهم الكتب السياسية التي صدرت في القرن العشرين، وأشبه بـ «مانيفستو» للسياسة الخارجية الأميركية في العالم. ومن يقرأ الكتاب سيجد أن أميركا نفذت الكثير مما قاله نيكسون، عن سياسة واشنطن تجاه العالم العربي. المشير عبدالحليم أبو غزالة، الذي ترجم الكتاب إلى اللغة العربية وقدم له، كان محقاً حين قال أنه «من المفيد للغاية أن يطلع عليه الذين يضعون سياسية بلادهم». تضمن كتاب نيكسون نبوءات تحقق معظمها. منها، التأثير الهائل الذي ستحدثه اختراعات القرن العشرين العلمية على القرن الحادي والعشرين، وتطور تكنولوجيا الوقود الصناعي، وكيف ستؤدي إلى تخمة بترولية، أفضت اليوم إلى تدني أسعاره، والذكاء الصناعي في مواجهة الذكاء الطبيعي، فضلاً عن أن نيكسون بسط في مقدمة الكتاب أبرز الإنجازات العلمية في القرن العشرين بطريقة غير مسبوقة، وسماه «قرن الاختراعات العلمية». وفي السياسة، حث إسرائيل على الدخول في عملية سلام مع العرب، وقال إن من مصلحتها التفاوض على السلام وهي قوية، بدلاً من الانتظار حتى تجبرها قوة العرب المتنامية على ذلك، ووصف نيكسون رياح التغيير التي ستجتاح العالم الثالث بـ «العاصفة»، وقال: «نحن لا نستطيع إيقافها لكننا نستطيع أن نساعد في تغيير اتجاهها»، وكأنه، هنا، يؤكد مبدأه للحد من الدور الأميركي المباشر الذي أعلن عنه عام 1969، والذي يستند إلى مبدأ عدم تدخل الولايات المتحدة «في أي نزاع في العالم الثالث بقواتها المسلحة مستقبلاً ضد رجال حرب العصابات ما لم تتدخل قوة كبرى أخرى فيه»، مع الالتزام بتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية لهزيمة المتمردين. لكن أبرز نبوءاته، التي صدقت، حديثه عن ما يسمى «الأصولية الإسلامية»، وهو قال إنها ستصبح أداة التغيير في العالم الإسلامي، وستسعى إلى الوصول إلى السلطة بأية وسيلة، وأشار بوضوح غير مسبوق إلى دورها في منطقة الشرق الأوسط، وكأنه يصف ما يجري اليوم، واعتبر الفقر أقوى وقود للفتن الطائفية في منطقتنا، وقال إن «العدو الأكبر في العالم الثالث هو الأصولية الإسلامية»، ولخص سبب التعاطف مع الحركات الإسلامية العنيفة بعبارة سياسية بليغة، يقول «إن الحركات الأصولية الإسلامية تلقى هوى لدى الناس ليس بسبب ما تطرحه ولكن بسبب ما تعترض عليه». يقول نيكسون في هذا الكتاب، إن أميركا لن تبقى قوية بلا عدو يحرضها على التحدي والنجاح والتفوق، ويرى أن عدوها الجديد، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والشيوعية، هو «الأصولية الإسلامية»، ويقترح تعاوناً بين أميركا وروسيا لمحاربة «الأصولية الإسلامية»، لكنه يقترح عدم مواجة هذا العدو بل تغيير اتجاهه. ومن يرَ ما يقوم به «داعش» وأخواته، يسألْ، هل هذه الجماعات تبحث عن شخصيتها التاريخية، كما يقول نيكسون، أم أنها تحولت إلى أداة لتبرير استباحة بلاد العرب؟ وما علاقة هذا الانحراف والهمجية في سلوك هذه الجماعات بـ «قاعدة تغيير الاتجاه» التي تحدث عنها الرئيس نيكسون في كتابه؟ جريدة الحياة