استقبل الأدباء والمثقفون المصريون بفرح بالغ خبر العثور على الجزء الثاني من أحلام نجيب محفوظ، التي دوّنها خلال عشر سنوات سبقت غيابه عام 2006، وستشكل الجزء الثاني من «أحلام فترة النقاهة» التي نُشرت قبل رحيله. الحاج صبري سكرتير نجيب محفوظ، الذي كان يدوّن الأحلام بيده، قال لجريدة «الشروق» المصرية، «إن الأستاذ نجيب محفوظ كان ينشغل بالحلم ويبدأ في تجهيزه، ثم يحفظه، وتجيء في المرحلة الأخيرة مرحلة الإملاء»، بمعنى أن رائد الرواية العربية الحديثة، ومبدعها الأول، كان يعاود صوغ الحلم بطريقة أدبية، وربما يضيف ما غاب عن الذاكرة أثناء التذكُّر، ويحذف ما كان زائداً عن حاجة النص، لكن هذه الأحلام في المحصّلة تحولت إلى عمل إبداعي فريد. معظم الأدباء المصريين، الذي فرح بخبر العثور على الجزء الثاني من «أحلام فترة النقاهة»، تحدّث عن أهمية الأحلام الجديدة لنجيب محفوظ، من زاوية أدبية ونقدية، وتأثيرها على فنون الأقصوصة، والقصة القصيرة، وفن التكثيف الأدبي والإيجاز في صناعة النص الإبداعي، وقدرة الراوي الكبير على تحويل ذاكرة الإنسان في الحلم إلى رؤية للنهار، وإلى تأمُّل في الواقع والحياة والأمنيات المكبوتة، والبحث عن الطمأنينة والصدق في مقابل الخوف والكذب في الواقع، إلى غير ذلك من التأثيرات على صنعة النص القصصي، أو السرد في شكل عام، أو حتى علم النفس. لا أحد يختلف مع رؤية الأدباء والنقّاد والمثقفين المصريين على أن «أحلام فترة النقاهة» نقلة إبداعية تليق بنجيب محفوظ، ومثلما حرّض أجيالاً على الإبداع في فن الرواية وهو حي، فإنه سيشعل خيال أجيال قادمة بهذه الأحلام، على رغم أن بعضها لا يزيد على بضعة أسطر أو كلمات. لكن الفائدة الكبيرة التي سنجنيها من هذه الأحلام المدونة، هي أن نجيب محفوظ سيفتح أمام الأجيال القادمة فرصة لمعاودة النظر في قضية الأحلام، ونقلها من الخرافة، وإن شئت، التقديس عند بعضهم، إلى الخيال والفن والمتعة، فتتحول من كونها وسيلة لتكريس الخرافة وكشف الغيب والمستقبل، والتغرير بالبسطاء، إلى منحة للتفكير ومعاودة النظر والطمأنينة. الله ما أجمل أحلام نجيب محفوظ، وما أعظم فائدتها. هو لم يكتب مقالات عن خرافة تعبير الرؤى، أو تفسير الأحلام، لكنه نقل الأحلام ووضعها في نص يُقرأ، ويجري تشريحه ونقده باعتباره ومضة إنسانية أو أفكاراً طرأت على نائم. وحين يصبح الحلم نصاً متداولاً، فإن كل ما يُثار حوله من خرافات سوف يتبدد. وإذا كان ابن سيرين كرّس خرافة تفسير الأحلام في كتابه الشهير «تفسير الأحلام»، فإن نجيب محفوظ هدم وهم ابن سيرين، وعلى نحو يُعدّ سابقة في هدم الخرافة. منقول من صحيفة الحياة اللندنية