بعد عمر من الأحلام والجري وراء التفسير والمفسرين، يجد بعضنا نفسه واقفاً حيال ظاهرة الحلم، يسأل بحيرة: ما هو الحلم، ما معناه على وجه الدقه، كيف نحلم ومتى ولماذا؟ هل للأحلام وظيفة فسيولوجية أو نفسية معينة؟ هناك أشخاص يقولون إنهم لا يحلمون مطلقا هل هذا الأمر صحيح وصحي أم لا؟ لقد قرأنا منذ سنوات بعيدة بعض النظريات حول ظاهرة الحلم، وبعضنا قرأ أكثر حول الاتجاهات النفسية التي تعاملت مع موضوع الأحلام ودلالاتها، وفي هذا المجال يعد ابن سيرين واحداً من أشهر من ترك إرثاً مكتوباً في هذا المجال، إضافة لفرويد الذي يعتبرالجنس هو العلة الكامنة وراء الأحلام فهل آمنا بذلك؟ لماذا نقلق حين لا نحلم؟ وإذا حلمنا كثيرا لماذا نخاف من أحلامنا أو نخاف عليها؟ ومع استمرار الأيام والأحلام نتأكد بأنه ما أطال العمر حلما ولا قصر في الأعمار قلة الحلم، مع ذلك يبقى الحلم أحد أكثر المفاهيم رومانسية، وأحد أكثر الكلمات استخداماً، وأحد أهم المفاهيم غموضاً. يحدث كثيراً أن نستيقظ من حلم ونتمنى لو أننا لم نفتح أعيننا، فنحاول معاودة النوم على أمل استكمال الحلم، لكن الأحلام لا تعاش مرتين، يحدث أيضاً أن نفيق من أحلام نتعوذ بالله منها، كما يحدث أن تحمل أحلامنا رموزاً ووجوهاً وأمكنة وأفعالاً غريبة، بل ومستحيلة، لا تغادر ذاكرتنا لزمن طويل، بعض الأحلام كالطائر، كما يقولون، إذا فُسر وقع، وإذا وقع تمنينا لو لم ننم يومها ولا كان ذاك الحلم المخيف! نقابل في حياتنا أشخاصاً يتمتعون بمهارات غير طبيعية، كتفسير الأحلام بدقة صائبة، وأحياناً مرعبة، هؤلاء إما أنهم أهل علم، أو أهل ورع ودين، لا يسترزقون بتفسيرهم ولا يدعون ما لا يعلمون وهم خيرون جداً وشفافون وبعيدون عن الرياء أو المباهاة، مع ذلك يبقى السؤال المحير: لماذا يبحث الإنسان بدأب غريب عن شخص يفسر له حلمه؟ وإذا فسّره له على أي وجه كان فماالذي قد يتغير بالنسبة له، طالما أن القدر مكتوب منذ الأزل؟ هل نبحث عن الطمأنينة والأمان، أم عن المال والثراء، أم لنستريح من هذيان تداعي الحلم؟ هل نفسر أحلامنا طمعاً في تغيير القدر؟ هل نبني أحلاماً ونفصل أمنيات ثم نركض الى من يختم عليها بالموافقة، أنها فعلا ستحدث؟! لقد آمنت ولا زلت بقوة وتأثير الإحلام على الإنسان، الأحلام بمعناها الفيزيائي المباشر وكذلك بمعناها الرومانسي المرادف للأماني والطموحات المشروعة، كتبت مراراً حول الأحلام ومكانتها في الثقافات الأخرى، ولطالما ربطت بين القدرة على الحلم وبين الكتابة الإبداعية فاعتقدت -ولا زلت -أن من لا يحلم أو من لا يتذكر أحلامه أو من لا يملك شغفاً جارفاً لتفسيرها وتشريحها سيكون أقل حظاً في كتابة الشعر أو الرواية، تماماً كمن لا يمتلك ذاكرة قوية ووعياً جارفاً بما يحيط به، كنت ولا زلت اعتبر الأحلام خزان الإبداع الأساسي، واحد محركي تاريخ الإنسانية في لحظة ما: لنتذكر قصة النبي يوسف وحلم حاكم مصر!!