قبل تسعة أشهر، وصل الرئيس باراك أوباما إلى الرياض معزياً بالملك عبدالله، رحمه الله، وحاول أن يطلع على رأي الملك سلمان في الاتفاق النووي بين إيران ودول (5 + 1)، وكان رد الملك سلمان بأنه لا يمانع في أي اتفاق يمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، مؤكداً أن ذلك ما يدفع الاستقرار والسلام في المنطقة. السعودية أكدت خلال الأشهر الماضية وعبر أكثر من تصريح لمسؤولين سعوديين، أن المشكلة في شكل رئيسي مع إيران هي في التدخل لزعزعة الاستقرار في الدول العربية، ونشر الطائفية والاحتقان في المنطقة، وليس أدل على ذلك من عراق المالكي - سليماني، حيث لم يحقق التدخل الإيراني إلا هدراً مالياً وفساداً وجيشاً من ورق، وطائفية بغيضة بين المواطنين. الرئيس باراك أوباما استقبل الملك سلمان في واشنطن، واستمع إلى كلمة مهمة قالها الملك، وهي أن علاقة السعودية وأميركا ليست مهمة للبلدين فقط، بل هي مهمة لاستقرار المنطقة ككل، وهذا الأمر تدركه الإدارة الأميركية جيداً، خصوصاً بعد سنوات من اندلاع الثورات العربية في 2011، والإدراك أن إشعال الحرائق أسهل من إطفائها وربما ليبيا تُعد مثلاً جلياً على ذلك. كان لافتاً أيضاً التغيير في النظرة الأميركية حول نظام ما بعد 30 حزيران (يونيو) في مصر، والعودة إلى التنسيق المتوقف بين أميركا ومصر منذ 2009، وبالتالي إدراك خطأ دفع مصر لتضع كل البيض في سلة روسيا على المصالح الاستراتيجية لأميركا، والأسوأ أن يُدفع الشركاء الخليجيون لمزيد من الجفاء مع الولايات المتحدة. لهذا، تعد أهمية هذة القمة لتؤكد أن العلاقات السعودية - الأميركية مهمة واستراتيجية، وهي بطبيعة الحال لا تعني التطابق في كل الملفات، لكنها ووفق البيان الختامي الصادر عن البيت الأبيض، تبدو أقرب من ذي قبل حول الحل السياسي في سورية بحسب «جنيف - 1»، والتشديد على رحيل بشار الأسد والتمسك بمؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، حتى لا يتكرر ما حدث في العراق من حل مؤسسات الدولة، بعد إسقاط نظام صدام حسين. حول الملف اللبناني تبدو الرؤية مشتركة ورافضة الشغور الرئاسي، وتأكيد البلدين وجوب انتخاب رئيس، والتوافق أيضاً حول دعم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لإلحاق الهزيمة بـ «داعش»، وأهمية التعاون الاستراتيجي في الحرب على الإرهاب. إذاً، القمة تؤكد أن النقاشات السعودية - الأميركية ليست محصورة في الملف النووي الإيراني، لأن المملكة لم تمانع الاتفاق بحد ذاته، خصوصاً أن الاتفاق يعد تراجعاً كبيراً في البنود التي كانت تتعنت حولها إيران، ويجعلها عبر التخلص من كميات كبيرة من اليورانيوم وأجهزة الطرد، وإجراءات التفتيش الصارمة، عاجزة عن تصنيع سلاح نووي. تناول الملف الفلسطيني يؤكد أحد أهم الثوابت في السياسة السعودية التي لم تتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني، على رغم تراجع التناول الإعلامي في ما يخص الشأن الفلسطيني، تبعاً للحرائق المشتعلة في المنطقة، لهذا كان مهماً تأكيد البيان الختامي أهمية مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة في 2002، ضمن نهج المملكة الراسخ لدعم الاستقرار في المنطقة، حيث لا تنمية في المنطقة بلا استقرار. لقاء الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش وبيل كلينتون والملك سلمان، إشارة واضحة إلى علاقات راسخة وقديمة بين البلدين، ومثل اللقاء رمزية للصداقة التاريخية بين البلدين، وعلى رغم أهمية النفط والملف النووي، إلا أن اختزال العلاقة في هذه أو تلك نظرة قاصرة، لهذا كان لقاء الملك بالرؤساء الثلاثة، رسالة للمستقبل بعبق التاريخ.