هل من أقدار الأمة العربية أن تلتحف بالخيبات، وتظل لعبة في يد من لا يعرفها إلا حين يدغدغ المشاعر بالانتماء لها على حافة سطر؟ لم تكن أضحوكة إلا حين ظلت قضاياها مدفوعة الثمن، وحين عاشت أمانيها معلقة على حبل الغسيل، ذلك الحبل الذي تُمد عليه ملابسهم، وهي غير صالحة لأجسادهم في الوقت الحاضر، وقليل من الملابس القديمة التي يمكن ارتداؤها لوقت حاضر، قليل جداً، وإن كانت أمنياتهم تقول: «ليت أن نوايانا مثل عنترياتنا قابلة لتقديمنا كشعوب لا تقبل الضيم وتعوذ من قهر الرجال، ولا تسكت على من يلطمها وإن لم يكن لطماً باليد، فزمننا زمن منوع الأدوات في اللطم والإذلال وصناعة الجراح من كل صنف ولون». لا أكثر من أحاديثهم، لا أغرى من سهرهم أغنياتهم، لا أشهر من ملفاتهم القديمة المتجددة، ولا أسهل من شجبهم واستنكارهم الذي بالكاد يصل لحواف وحدود الورق، ليسوا والتفاؤل على وفاق، على رغم أن التفاؤل أغنيتهم المرة المستطابة، ومشروعهم الذي يمضون إليه من دون رصيد كاف من الثبات على المبادئ والاتحاد في الآراء والاتفاق على أهداف عربية موحدة لا تقبل أنصاف الحلول، إرثهم من النزيف عالٍ في ظل أن درجتهم في الاستقرار تقترب من الصفر، يبلعون أي طُعْم يُعد لهم ويضيفون عليه من التوابل والبهارات ما تيسر وتعسر، حتى ولو أدت إلى حريق إضافي لا يعرفون إطفاءه؟ ويجهلون بأية طريقة ينتهي، يصافحون الجميع وإن كانت المصافحة خذلاناً من الطراز الأول، لا يفرقون بين مصاصي دمائهم والأبرياء في مسلسلات هذا الامتصاص، اقتنعوا وما أسهل ما يقتنعون أنهم ظاهرة صوتية فريدة، فلم يشغلوا بالهم ووقتهم وعقلهم في القفز من هذا المربع المخيب للآمال، مصيرهم لم يُتَفَق عليه لأن المصالح تعبث بهذا المصير، للحد الذي شعروا فيه أن مصيرهم المشترك ليس إلا حبراً أحمر لا يد لهم في مسح نقطة واحدة منه، بل إن الأوطان تصرخ بـ«هل من مزيد»؟ أخذهم الربيع المكتئب إلى القصص المؤلمة والمآسي والذكريات الحارقة، وقدم العصابات والضحايا والأذناب والميليشيات وقطاع طرق الحلول والخوارج، وضاعف التهجير وهواة الاتجار بالدين، والمهووسين بتفريغ القاذورات الفكرية، كل هذا لأجل أن تُستبدل هذه الشعوب بشعوب مصبوغة متراخية، وصدئة تتراجع أمام الكرامة وتنجذب لتجريف العقول وتستريح بالصمت، لا أظن أن هناك حاجة أكبر من الصفع ليستفيق رأس عربي، الصفع حالة يومية يعيشها، وإن كان يفصح بخجل عن ملله من التظاهر دون صوت والاكتفاء برفع اليد كطالب خجول في فصل دراسي مكتظ بالعقول والعضلات والألسن الجريئة والصادقة، وتعبه من العيش على وتر الخيانات وخوض الدهاليز الطويلة والمخيفة، ويلمس وقاحة أن يعيش بيننا ومعنا وكلاء لتنفيذ مخططات الآخر ومن يبهجه أن تكون التصفية عربية خالصة الأطراف، وينهار أن خاطبه مستفز بـ«يا أيها الساكتون على براميل الموت، المتنازعون على قوارب الموت، العاجزون عن الإشارة لعدو واحد، لأن بينكم من العداوات ما يكفي... أنتم عرب... ساعة الطرب»، وما أقسى أن تكون عربياً رضي بأن ينحصر طريقه للعيش في عار موت أخيه.