2015-10-10 

رئيس للبنان... لتحصينه تجاه اللعبة السورية

خيرالله خيرالله

بحوار أو من دون حوار بين القوى السياسية اللبنانية، يبدو بعض من هدوء وضبط للأعصاب، فضلاً عن التحلي ببعد النظر، ضرورة لبنانية هذه الأيّام. يكفي اللبنانيون التمعن بما يدور في سورية كي يلجموا شهواتهم، خصوصاً إلى رئاسة الجمهورية. هذه الشهوات التي يعتبر النائب المسيحي ميشال عون أفضل تعبير عنها، تمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. الأخطر من ذلك أنّها تصبّ في رغبة «حزب الله» السائر في مشروعه الهادف إلى تغيير طبيعة النظام اللبناني عن طريق طرح «المؤتمر التأسيسي». لبنان في حاجة قبل كلّ شيء إلى رئيس للجمهورية وذلك كي لا يكون ضحية المأساة السورية. رئيس الجمهورية الغائب منذ مايو الماضي، حين انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان، يعيد الحياة إلى مؤسسات الدولة ويحصّنها ويساعد في إيجاد حلول للمشاكل الكبيرة التي أنزلت اللبنانيين إلى الشارع. بعضهم عن حسن نيّة وبعض آخر عن سوء نيّة أكيدة، بل أكيدة جدّا. ما تمرّ به سورية أمر في غاية الخطورة ستكون له انعكاساته على دول المنطقة كلّها وذلك في وقت يتمدّد «داعش» في كلّ الاتجاهات بدعم من نظام بشّار الأسد وبالتواطؤ معه. يأتي ذلك في وقت يظهر جلّياً أن لدى إيران مشروعاً خاصاً بها يقوم على إنشاء دويلة علويّة على طول الشاطئ السوري. تريد لمثل هذه الدولة أن يكون لها امتدادها اللبناني كي يتمكن «حزب الله» من حماية ظهرها من منطلق مذهبي ليس إلّا. لا تبدو روسيا بعيدة عن هذا المشروع الإيراني. الدليل على ذلك تورّطها المباشر أكثر فأكثر في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. لم تعد هذه الحرب ترحم الأقلّيات، مثلما لا ترحم الأكثرية السنّية المستهدفة بعملية تطهير مدروسة ذات طابع عرقي. يشمل المشروع الإيراني في سورية تبادلاً للسكان على أساس مذهبي. مطلوب تهجير أهل الزبداني من أجل تسهيل قيام الممرّ الذي يربط الدويلة العلوية بالأراضي اللبنانية الواقع تحت سيطرة «حزب الله». مطلوب أيضا السيطرة على دمشق عبر تجنيس للبنانيين وعراقيين وإيرانيين وأفغان من مذهب معيّن. مطلوب، كذلك، الإتيان بسكان من قرى شيعية في محافظة ادلب عاشوا مئات السنين بوئام مع مكونات المجتمع السوري ووضعهم في الزبداني وغير الزبداني، ما دام الهدف إخضاع دمشق وتطويقها. المشروع الإيراني في سورية مستحيل التحقيق. لكنّه في غاية الخطورة، لا لشيء سوى لأنّه يستهدف في نهاية المطاف تقسيم البلد نتيجة فقدان القدرة على إبقائه كلّه تحت سيطرة النظام العلوي الذي أقامه حافظ الأسد والذي تحوّل في عهد بشّار الأسد إلى نظام العائلة وقسم من الطائفة بالتحالف مع بعض رجال الأعمال السنّة في المدن وبعض الأقلّيات المستفيدة من السمسرات والصفقات... أو على الأصحّ من فتات ما تتركه العائلة للسوريين الآخرين. مجدّداً، يُفترض باللبنانيين التحلي بالرويّة، على الرغم من أن الكيل طفح لدى المواطن، خصوصاً في ظلّ العجز الحكومي عن التعاطي مع أي مشكلة معيشية، بدءاً بالنفايات وانتهاءً بالفساد الذي ينخر عظام كلّ مؤسسات الدولة. ولكن، على اللبناني، من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق أن يتذكّر أنّ «حزب الله» يحمي المتهمين بكل أنواع الجرائم ويعطّل معظم الإدارات وأقام سلطة فوق السلطة لا تحترم الحدود الدولية للبنان. الحزب المسلّح، الذي هو كناية عن ميليشيا مذهبية في أساس الفساد. هل تظاهر لبناني لسبب مرتبط بقتال «حزب الله» في سورية، غير آبه بأن لبنان دولة ذات سيادة وحدود معترف بها دولياً. هل من جريمة أكبر من هذه الجريمة في حق لبنان واللبنانيين؟ ما نشهده حاليا في سورية فصل أخير من فصول النهاية البطيئة للنظام. يعطي اغتيال الشيخ الدرزي وحيد البلعوس زعيم «تجمّع مشايخ الكرامة» في جبل العرب فكرة عن الدرك الذي وصل إليه النظام الذي لم يعد قادراً على التعاطي مع الأقلّية الدرزية المنتفضة عليه والرافضة للمشاركة في حربه على أهل درعا. إفلاس النظام السوري ليس بعده إفلاس. لذلك على اللبنانيين أن يكونوا أشدّ حذراً من أي وقت. عليهم التساؤل في شأن المكمن الحقيقي للفساد. عليهم السعي إلى معرفة من يحمي الفساد والفاسدين. من يمرّر إلى السوق اللبنانية بضائع يستوردها من دون جمارك؟، من يمنع العرب من المجيء إلى لبنان والاستثمار فيه؟، من يضرب مؤسسات الدولة اللبنانية؟، من يعطّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ على اللبنانيين من ذوي النيات الحسنة التساؤل من عطل جلب الماء للمواطن ولمّ النفايات وإقامة شبكة الطرقات وإقامة خطوط للسكة الحديد بما يربط المدن والمناطق اللبنانية ببعضها بعضاً. من وضع العراقيل منذ العام 1992 في وجه الكهرباء؟، من عطل كل مشروع يصب في تنمية لبنان وإعماره؟، من هجر اللبنانيين وفوت كل الفرص عليهم؟، من يدعو حاليا إلى الانتقام من بيروت؟، من يدعو إلى ضرب القطاعات المنتجة...؟ هذه أمور تستحق التظاهر من أجلها، ولكن من دون تجاهل ما يدور في سورية والمنطقة. ما تمرّ به سورية سيغيّر المنطقة كلّها، بما في ذلك لبنان الذي عليه حماية نفسه بدل الغرق في أزمة النفايات. عليه الخروج من هذه الأزمة بأقل مقدار ممكن من الخسائر، مع الاعتراف طبعاً بفشل الحكومة في معالجة هذا الموضوع المهمّ، وهو فشل يتطلب تغيير الحكومة في أسرع وقت. ولكن هل من مكان للفراغ الذي لا يسدّه سوى انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ عند تغيير الدول، احفظ رأسك. هذا ما يقوله العقلاء في هذا البلد وفي محيطه. من يريد إسقاط النظام ومن يريد تغييره؟ الجواب بكلّ بساطة أن الخوف كلّ الخوف من أن يستخدم «حزب الله» اللبنانيين، خصوصاً بعض المسيحيين، خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني. هذا المشروع يعني أوّل ما يعني ضياع لبنان وتحويله تفصيلاً سورية. من هذا المنطلق، إن انتخاب رئيس للجمهورية خطّ الدفاع الأوّل عن لبنان، خصوصاً أن اللعبة الكبرى في سورية. تبدو اللعبة الدائرة في سورية أكبر بكثير مما يعتقد، خصوصاً بعد انضمام الروسي إلى الإيراني في القتال على الأرض وبعد التهديد المباشر للدروز، الطائفة المؤسسة للكيان السوري في شكله الحالي...

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه