تبدو واشنطن في ريبة وارتباك واضحين من الدعم العسكري الذي تقدمه روسيا لسوريا، وتخشى الإدارة الأمريكية أن يتعدى هذا الدعم حدود محاربة تنظيم "داعش" إلى دعم دمشق عسكريا في مواجهة المعارضة المسلحة، وتثبيت معادلة جديدة في عملية التفاوض التي من شأنها أن تؤدي إلى تسوية سياسية. و تخشى واشنطن مما أسمته تصادما في محيط الأجواء السورية بين الدولتين، في ضوء نوعية الصواريخ الروسية المرسلة إلى دمشق والتي تتجاوز في قدرتها حدود الصراع الدائر في سوريا. فبعد شهور من تجاهل أميركي للرؤية الروسية حول محاربة الإرهاب، اضطرت واشنطن إلى طرق أبواب موسكو، ويظهر ذلك جليًا في موافقة واشنطن على عقد محدثات مع روسيا لدراسة الأوضاع العسكرية والسياسية في سوريا وتوسيع دائرة الاتصالات. وتصريحات على لسان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يؤكد فيها اعتقاد الرئيس باراك أوباما أن المحادثات العسكرية مع روسيا بشأن سوريا خطوة مهمة يأمل أن تعقد قريبا، والبيت الأبيض يؤكد انفتاحه على إجراء محادثات مع موسكو، وأخيرا اتصال هاتفي بين وزيري الدفاع الأمريكي والروسي هو الأول منذ عام اتفقا فيه على استمرار المباحثات فيما بينهما. ومع أن الجانبين متفقان على ضرورة توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب، إلا أن نقطتين ما تزالان محل خلاف بين العاصمتين: ترفض واشنطن أن يكون الأسد شريكًا في المعركة ضد تنظيم "داعش"، في حين تعتقد موسكو أن غياب الجيش السوري لن يؤدي إلى كسب معركة الإرهاب، وقد أثبت التحالف الدولي ضد "داعش" فشله الذريع، حيث استطاع التنظيم التوسع في شرق سوريا بعد عام على بدء التحالف الدولي بشن غاراته على التنظيم. ـ بناء على ذلك، تعتقد موسكو أن محاربة الإرهاب عملية طويلة ومعقدة، وبالتالي تتطلب بقاء الأسد خشية انتشار الفوضى في حال سقوط مؤسسات الدولة، في حين ترى واشنطن أن العمليات العسكرية ضد الإرهاب يجب أن تسرّع التسوية السياسية التي لن يكون للأسد فيها دور محوري. وبحسب روسيا اليوم يحدث التجاذب الروسي ـ الأمريكي الكبيرفي هذه النقطة ، والدعم العسكري الروسي المقدم لسوريا لا يأتي تعبيرًا عن ضعف وتراجع روسي كما صور البعض، ولا نتيجة المأزق الكبير الذي تعاني منه الحكومة السورية ميدانيا، فالمراقب لتطورات الوضع العسكري يدرك أن انتصارات المعارضة توقفت قبل وصول الدعم الروسي (انهيار عاصفة الجنوب في درعا، توقف جيش الفتح عند حدود إدلب، تراجع "داعش" في الحسكة)، دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال عدم استفادة الجيش السوري من هذا الدعم العسكري. وبحسب تصريحاتوسية رصدتها روسيا اليوم لا يمكن إدراج الدعم الروسي ضمن صيغة الحفاظ على الأسد في الحكم فقط، فروسيا دولة كبيرة على مستوى العالم، ولا تتعامل مع الملف السوري بطريقة مشخصنة، ولايمكن اختزال رؤيتها في سوريا عبر إعطاء شرعية كاملة للأسد كإيران، ولا نزع كامل للشرعية عنه كأميركا.