أصبح العالم يلاحظ إيران، وهي تفقد أعصابها، وبدأت درجة حرارتها ترتفع بشدة حتى أشرفت على مرحلة الهذيان واللعب على المكشوف، بدلاً من اللعب المستتر في الخفاء، وتؤكد التصريحات المتوترة لقادة طهران، حول ضرورة استعداد قوات الحرس الثوري بالتدريب المتواصل، للحفاظ على نفوذ إيران في الشرق الأوسط - وهو ما قاله علي خامنئي بالحرف الواحد - وغيرها من التصريحات المتكررة، تؤكد أن إيران استشعرت الهزيمة المدوية التي لحقت بها في اليمن، فقد كان الانتصار العربي المزدوج في اليمن مؤثراً، فهو انتصار سياسي وعسكري في آن واحد أدى إلى ارتباك إيراني شديد، فلم تكن طهران تحسب أي حساب للقدرات العسكرية للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية .. وكما قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في كلمة الإمارات أمام الجمعية العامة، فإن تحرير باب المندب هو بداية النهاية للانقلابيين ومن يدعمونهم في اليمن، وكان سموه أكثر وضوحاً وهو يؤكد أن الإمارات تقف بكل قوة ضد محاولات إيران التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهذا ما نتمنى أن تستوعبه إيران الجارة جيداً وسريعاً. بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، على الإيرانيين أن يفكروا مرات كثيرة قبل الاستمرار في سياسة التدخل والهيمنة والسيطرة في الدول العربية، فليست الليلة كالبارحة، وهناك معطيات كثيرة يجب أن ينتبه إليها النظام الإيراني، فلم يعد بوسع العرب السكوت على سلوكيات إيران ومحاولاتها زعزعة استقرار المنطقة، فليست كل الدول لبنان أو العراق أو سوريا، بل وحتى سوريا لم تعد الأوضاع فيها تسير، كما يشتهي الإيرانيون، ودخل على الخط لاعبون جدد في الشأن السوري، ولم تعد إيران، كما كانت من قبل تنفرد وحدها بإدارة الأزمة السورية من خلال نظام بشار الأسد، وأحسب أن مياهاً كثيرة ستجري في النهر السوري، وأن أوراق لعب جديدة ظهرت على الطاولة، ولا يبدو لي أبداً أن العرب بعيدون عن هذه الطاولة، أو أن الأمر كله سيترك للقوى الدولية والإقليمية كي تقرر فيه ما تشاء. وكأنني أرى تحركات عربية، ظاهرة عسكرياً في اليمن، وخفيّة دبلوماسياً في سوريا وفي العراق أيضاً، وكل هذه التحركات المرئية وغير المرئية أصبحت تحكم الحصار الخانق حول محاولات الهيمنة الإيرانية.. وأرى موازنات ومواءمات عربية ربما تصل إلى مقاربات مهمة في المستقبل المنظور، حيث إن الخيارات الآن خصوصاً في سوريا خيارات مرة مرارة العلقم وأن المرحلة الحالية ربما تتطلب تفضيل الخيار المر على الخيار الأمّر منه، وأتمنى أن يكون العرب قد قرروا الذهاب إلى أبعد مدى في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، وأن مواجهة هذا التمدد وهذا النفوذ أصبحت القضية الرئيسية للعرب وما عداها قضايا ثانوية. العالم أصبح يرى إيران وهي تتراجع إلى الخلف، وتلقى الهزيمة العسكرية والسياسية تلو الأخرى في المنطقة العربية.. لذا نحن نتفهم جداً سبب التوتر الإيراني والتخبط الانفعالي البادي في تصريحات قادة طهران، إنه بالتأكيد توتر وانفلات أعصاب المهزوم وهذيان المحموم. نقلا عن الاتحاد