في زمن قصير ظهرت علينا وسائل إعلامية عديدة جديدة تتحدث باسم إيران، أو تدافع عن سياساتها، تلفزيونات وصحف ومواقع إلكترونية، لم تكن موجودة مثلها قبل سنوات قريبة. السر بسيط، فمعظم الإعلام العربي كان من يقوم بمهمة الدعاية والدفاع عن طروحات إيران ويدافع عن مواقفها، حتى ثار ربيع الأزمات العربي في عام 2011، وبسببها استفاق المغيبون. اكتشفوا أن إيران ليست سوى دولة أخرى، لها طموحاتها ومطامعها الإقليمية تحت شعارات الإسلام والعدالة والعداوة مع الغرب، وجندت الإعلام العربي لاستغلاله في كل ما أمكنها استغلاله للهيمنة ومحاربة خصومها العرب من خليجيين ومصريين ولبنانيين. وبدأت الصدمات تتوالى منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، ثم ما تلاه وإلى زلزال سوريا وأفعالها الشنيعة هناك. على أثرها أصابت الصدمة معظم العرب، وانقلب الحب والإعجاب بإيران الإسلام والحقوق الفلسطينية إلى كراهية وعداء شديدين. بعدها لجأت إيران إلى تأسيس منصاتها الإعلامية المختلفة الألسن والهويات، تحاول مقارعة وسائل الإعلام العربية، التي على اختلاف مشاربها تكاد تجمع على رفض نظام طهران آيديولوجيًا ومواقف وشخصيات. ويندر أن نسمع اليوم في الإعلام العربي الواسع ما تردده طهران ضد إسرائيل، فقد أدرك أنها دعاية مضللة، وصار يحرص على حماية الجمهور العربي من الوقوع في حبائل الاستغلال السياسي الإيراني الذي لطالما كان المهيمن لثلاثين عامًا. يندر أن نسمع عن تصريحات حليفيها في سوريا ولبنان، رغم أن المسؤولين هُنَاك لم يتوقفوا عن الكلام ضد المسؤولين الصهاينة، وتحميلهم كل ما يناسبهم. ومثال ذلك أنه في اليوم الذي تصدّت بوارج أميركيّة لسفينة إيرانية في الْبَحْر الأحمر، يرجح أنها كانت محملة بالأسلحة وغيرها لحلفائها الحوثيين في اليمن، واضطرت إلى العودة إلى الساحل الإيراني على الخليج، لم تردد وسائل العرب الإعلامية مبررات إيران وتهديدات مسؤوليها التي ملأت الفضاء الإعلامي هناك. في السابق، حادثة كهذه، كانت طهران تضمن استجابة تلقائية من عشرات وسائل الإعلام العربية، واحتضانها الدفاع عن مصالح إيران، وتحث على تبني مواقف عربية مناصرتها، وتسيير مظاهرات داعمة لها، واعتبار ما يقوله النظام هناك هو الحق. استفاق مُعْظم الإعلام العربي، وصار يميز بين الحقيقة والاستغلال، حتى اضطرت إيران إلى فتح مؤسساتها الإعلامية تحاول تغيير الرأي العام العربي بيدها لا بيد إعلام العرب، الذي تعتبره ناكرًا للجميل! وعلينا ألا نستهين بمحاولاتها استعادة الرأي العام العربي واستغلاله لمصالحها، ومشروعها للهيمنة على المنطقة. وهي قد تستطيع باستغلال الفراغات السياسية بين المواقف، واللعب على التناقضات العربية في سوريا واليمن والعراق. وصرنا نسمع بعض الإعلاميين العرب يرددون الطروحات الإيرانية التي تخلط بين المعارضة السورية والجماعات الإرهابية، وتلك التي تطرح بقاء النظام بحجة حماية وحدة سوريا، وأخرى تشكك في أهداف الدول المنافسة لها. وتحاول إيران فعل الشيء نفسه في اليمن، بتقديم الرئيس المعزول علي عبد الله صالح، وحليفه الحوثي، كخيار شرعي وشعبي. ولأنه يدري أن إعلامه صار محاصرًا، مثل ميليشياته في العراق وسوريا واليمن، ومرفوضا من قبل الشريحة الأكبر من العرب، فإنه يحاول جاهدا التسلل عبر المنابر المختلفة الجديدة والأخرى، وتقديم طروحات ذات صيغ متعددة، معظمها هجومية، ليس لكسب المعركة الجدلية، بل الأهم تخريب القناعات المهيمنة والمعادية له. أيضًا، يحاول أن يمنح وسائله الإعلامية الشعبية والمصداقية اللتين تفقدهما حتى الآن على أمل أن يتسيد الساحة الفكرية والدعائية. فالأزمة الإيرانية اليوم إعلامية، تعاني من العداء وبسببه تفقد مواقعها. وفي الماضي لم تَكُن تضطر إلى الدفاع عن مواقفها وحلفائها، بل تطوعت بالمهمة وسائل الإعلام العربية، فكانت تتولى بعث رسائلها، والدفاع عنها بحماس شديد. معركتها على عيون وآذان وقلوب العرب صعبة، لكنها ليست بالمستحيلة.