اعتبرت روسيا أن الحليف القديم سورية هو المكان المناسب والملائم لأداء تمارين مثيرة، واختبارات محاطة بصمم كلي عن كل الأصوات المحيطة، وذلك بغية تجربة كل قدراتها الصوتية والبشرية والعسكرية، ما تتميز به هذه التمارين للذهن الروسي أنها تضرب كثيراً من العصافير بحجر واحد، فمنها إقناع المعارضين بأن هذه التمارين والاختبارات تمثل قدرة بديعة لنسف متدرج متفرد للتنظيم المختل «داعش»، وهو العصفور الذي يُضْحَكُ به على كل المتعاطفين مع التدخل الروسي، وتمرر من خلاله الغارات والتجاوزات والحيل كافة، وتحشد لأجله أطراف المراوغة والخداع، وفيه تنصب المظلة الأكثر إخافة وبثاً للقلق والرعب، كي يمر من خلالها الروس لمحاربة وإبطال ثورة الشعب السوري المغلوب على أمره، وفي التمارين ذات التبعات القاسية والمريرة إشارة ملتوية متقنة في أن الدب الروسي على ما يرام، ومستعد لعقد مصافحات ومصالح جديدة، حتى وإن كانت تهدف لإغضاب فريق على حساب آخر، وثالث العصافير الحفاظ من وراء ضجيج طاولات النقاش على المصالح المتوافرة في سورية، ولو كانت خطة الحفاظ عليها تستلزم الدفاع عن طاغية وحماية شبيحته وتمزيق شعب، والتغطية على جرائم لا مثيل لها، أما رابعها فرمي الأدوات والقدرات الإعلامية والتصريحات في الفضاء العام، ومعها جمل جس النبض والتهديدات والوعود والتطمينات لكشف من يستيقظ سريعاً، ومن لا يستيقظ مطلقاً، وعادة ما تكون هذه الأدوات أكبر من النوايا، والمفعول الصريح في الميادين، وإن كانت هذه الجزئية كشفت للروسيين من هم المهتمون بأحداث المنطقة بحراك جاد، ومن أولئك المستثمرون لأوراقها كافة من أجل دكاكين سوق الكلام، وإطلاق الأكاذيب وعلامات الاستغراب، وادعاء الحماس المضاعف، والحركة الدؤوبة في الوقت الضائع بالضبط. يبدو أن روسيا لم تستفد من الدروس السابقة بما فيه الكفاية، أو لا تريد أن تستفيد، ويبدو أيضاً أنها لا تجيد العناق مع السلام، واقنِعَت في أن تهرب من البرد الذي لاحقها طوال أعوام قريبة، فتبتكر سخونة تليق بالمشهد العام، ولا يعنيها إن كانت هذه السخونة مشوهة لخريطتها من الألف للياء وناسفة لأي محاولة مضت، واتصفت حينها بالبراءة وحسن النوايا. روسيا تعلن نفسها نداً شقياً وعصياً لمن كان يتوقع طوال ما فات من التجارب القريبة والملفات الشائكة أنها دولة لن تقف على قدميها، إلا بعد أن تضع يدها اليسرى على كتف دولة كبرى، ويدها اليمنى في يد دولة أكبر، وهي الآن بفرد مندفع للعضلات لا تقيم وزناً لكل من يحذرها من أنها ستذهب لمستنقع جديد، وتعزز للتطرف والأصولية بطريقة خطرة، وتقدم مؤشراً صريحاً على أنها ليست على ما يرام، وفي الطريق لتشويه ما لم يشوه بعد. رغبة الدب في ترجمة الطموحات في الشأن السوري هي رغبة متغطرسة ومستخفة بكل العقول، وإن بدت رغبة شرعية لموسكو وأطفالها المدللين، وعلى رأسهم طهران، لكن الرغبات المنتفخة تنتهي لمحطات الإفلاس والخسائر المتراكمة المعيدة لغفوة كانت أفضل من أي استيقاظ، وهذا ما ستلده الأيام في بطن موسكو إن لم تؤمن بأنها تقف بالطريقة العرجاء في المكان الملغم.