تلقي تصريحات المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون والمرشح الجمهوري دونالد جون ترامب، الضوء على جوانب مهمة في نوعية المرشحين للرئاسة الأمريكية والصفات المطلوبة لذلك.
كلينتون سيدة أمريكا الأولى لثمانية أعوام، ووزيرة خارجيتها لنحو أربعة أعوام تكشف في لقاء تلفزيوني أنها تتمتع بميزة غريبة وهي عدم التعرق حتى في أشد أوقات الحر. وخاطبت محاورتها بجدية مؤكدة انها ليست كائنا بشريا وأنه تم تجميعها في مرآب للسيارات في وادي السيليكون مركز كبريات شركات التقنية الأمريكية. كلينتون رفضت البوح باسم الشخص الذي قام بتجميعها مؤكدة عدم وجود أي نسخة مشابهة لها. الطريف أن كلينتون طلبت من مقدمة البرنامج حذف هذا جزء من البرنامج عند السؤال عما إذا كان الأمريكيون محاطين بجيش من الأناس الافتراضيين.
وفي المقابل، فإن الجمهوري ترامب أكد عند اطلاق حملته الانتخابية، بداية الصيف الماضي، أنه سيكون "أعظم رئيس أعمال في العالم".
المطور العقاري ومقدم برنامج تلفزيون الواقع لم يكشف أي نوع من الأعمال سيفلح به، لكنه يخوض في أي موضوع عام، مع تأكيده على ميزاته الخارقة وأفكاره الملهمة، فهو حسب تصريحاته "أنا ذكي جداً... وأجمل ما يميزني هو أنني غني". ويستحضر امثلة من عمله كمطور عقاري في موضوع كمحاربة " داعش" الإرهابي فهو سيكون الأقسى في مواجهة التنظيم الذي استنكر واستغرب كيف يبني فندقا من دون دفع فوائد حين قال " تنظيم الدولة الإسلامية بنى فندقا في سورية، هل يمكنك تصديق ذلك؟ عندما أقوم ببناء فندق جديد، فإن علي ان أدفع فوائد، لكنهم ليسوا مجبرين على دفع تلك الفائدة، لأنهم استولوا على النفط الذي نصحت بأخذه معنا عند رحيلنا من العراق".
وعلى طريقة المهرج، يخلط ترامب الخيال بالحقيقة ويجد حلا لإعادة السيطرة الأمريكية على العالم واحتلال بلدان، ويطرح حلولا لحل مشكلات الاحتباس الحراري، ويقدم نصائح ببناء جدران في وجه اللاجئين إلى أوروبا، وانتقاد الأمريكيين من ذوي الأصول الإسبانية.
وفي كل أربعة أعوام يجبر الأمريكيون والمهتمون بالشأن الأمريكي على متابعة مسلسل طويل لمدة تتجاوز العام من المناظرات التمهيدية بين المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين، ومن ثم المناظرات بين مرشح واحد عن كل حزب. ومع دخول سارة بالين حاكمة ألاسكا السابقة والمرشحة الجمهورية لنائب الرئيس في عام 2008 على خط مساندة ترامب تعود إلى الأذهان مواقف بالين التي ترى أن حروب أمريكا حروب مقدسة بأمر إلهي، وجهلها بحقائق الجغرافيا والتاريخ، فهي لا تميز بين قارة إفريقيا وجمهورية افريقيا الجنوبية، ولا تعرف اسم رئيس وزراء كندا وغيرها من التصريحات التي جعلتها محط سخرية رات فيها القنوات التلفزيونية فرصة لزيادة نسب المشاهدة.
مصير الحسناء بالين بات معروفا بابتعادها عن السياسة، وليس معروفا بعد مصير ترامب أو كلينتون، لكنهما لا يختلفان كثيرا عن نماذج رؤساء حكموا البيت الأبيض من رونالد ريغان الممثل الفاشل في هوليوود، أو من يعتقد أن الله اختاره لينقذ العالم مثل جورج بوش الابن الذي خاض حروبا كونية جرت المآسي والويلات على العالم كله ولم تقتصر آثارها على العراق وأفغانستان، بل أوقعت العالم في أعمق أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم في عشرينات القرن الماضي.
وتكشف الحملات الانتخابية الأمريكية عن اختلاط الواقع بسينما هوليوود، فالمرشحون للرئاسة "أبطال خيرون" بميزات خارقة للحكم ومحاربة الأشرار في كل مكان. وفوق هذا كله فهم خلقوا لتولي هذه المسؤولية منذ نعومة أظافرهم، فها هي كلينتون تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لها مع مجموعتها في الثانوية، وتعلق بأنها "ناقشت القضايا العامة منذ الثانوية". وربما تكون لكلينتون مآرب أخرى بعرض صورها في شبابها، فهيلاري ذات تجربة أكبر وأعمق بكثير، فقد عاشت ما بين عامي 1993 و2001 في البيت الأبيض كزوجة لبيل ولم تتخل عنه رغم الفضيحة المدوية مع مونيكا لوينسكي لتضرب مثالا في الصفح عن هفوات الرجال، والأرجح أنها فقدت كثيرا من سحر ابتسامتها رغم اسنانها ناصعة البياض بعدما بلغت 67 عاما وتريد أن تؤكد على شبابها المستمر ولو بصور يزيد عمرها عن نصف قرن. ويبقى السؤال حول الحاكم الفعلي في البيت الأبيض، فهل هم هؤلاء المرشحين الذين يحاولون اثبات قدراتهم الخارقة أثناء مسلسل الانتخابات أم أن أشخاصا افتراضيين يحكمون "أعرق" ديمقراطية والرؤساء مجرد "روبوتات" تعمل لمصلحة الاحتكارات الكبرى لصناعات النفط والأسلحة وسواها.