الاتحاد - هناك مقولة وردت في أحد الأفلام العربية القديمة على لسان مبعوث «هولاكو» قائد التتار يتساءل فيها أثناء حديثه مع بعض المسؤولين في بلاط الدولة المملوكية في مصر عن من يوجه له رسالة هولاكو قائلا: مع من اتكلم عندما أود مخاطبة شعب مصر؟ والأمر ذاته ينطبق على الوضع في إيران عندما نريد أن نتكلم مع الشعب الإيراني: مع من نتكلم؟ هل نوجه حديثنا إلى مرشد الثورة الإيرانية أم الرئيس أم مجلس صيانة الدستور أم البرلمان أم مجمع تشخيص مصلحة النظام أم مجلس الخبراء؟ فرئيس الجمهورية حسب النظام الإيراني خاضع لقرارات المرشد الأعلى، ويتحكم في سياساته عدة مؤسسات من أبرزها مجلس صيانة الدستور.
ويتكون هذا المجلس من اثني عشر عضواً يقوم مرشد الثورة بتعيين نصفهم أما النصف الآخر فيقوم رئيس السلطة القضائية بترشيحهم بعد إقرارهم من مجلس النواب مع ملاحظة أن رئيس السلطة القضائية يتم تعيينه من مرشد الثورة. وهذا يعني أن كامل أعضاء مجلس صيانة الدستور، لابد أن يوافق عليهم المرشد بطريقة مباشرة وغير مباشرة. ويضطلع مجلس صيانة الدستور بمهام اختيار الشخص الأنسب للتنافس على منصب الرئاسة إضافة إلى الإشراف على عمل مجلس الشورى الإسلامي، إذ يجب أن يوافق المجلس على جمیع القوانین الصادرة عن مجلس الشورى.
ويملك مجلس الشورى (البرلمان) صلاحيات إقرار القوانين واستجواب رئيس الجمهورية والوزراء، ولكنه يخضع لرقابة مجلس صيانة الدستور الذي يخضع لسيطرة مرشد الثورة. وفي حال حدث خلاف بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، فإن الدستور الإيراني يخول مجمع تشخيص مصلحة النظام صلاحيات التحكيم في الخلاف بين هاتين المؤسستين. علماً بأن هذا المجمع يتم تشكيله بأمر من المرشد الأعلى.
أما المرشد الأعلى، فهو خلاصة ما تفتق عنه ذهن النظام الإيراني الذي أسسه الخميني عام 1979 ويقوم على نظرية «ولاية الفقيه» التي ابتدعها فقهاء الطائفة الاثني عشرية، وتنادي «بعصمة الإمام»، وبأن الإلهام يأتي من الله عز وجل له مباشرة، بل والأدهى من ذلك تضع هذه النظرية الإمام في مرتبة تفوق مرتبة الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – ولتأكيد ذلك يقول الخميني في كتابه (الحكومة الإسلامية): «... وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرَّب، ولا نبي مرسل». وعليه فإن الإمام أو مرشد الثورة أو القائد في إيران معصوم، ويظل في منصبه مدى الحياة ويتمتع بصلاحيات تفوق سلطات أقوى رئيس ديكتاتوري على ظهر الأرض.
وتلك الصلاحيات حسب الدستور الذي وضعه الخميني هي: تعيين الأعضاء الفقهاء لمجلس صيانة الدستور؛ تعيين رئيس السلطة القضائية؛ تولي منصب القائد العام للقوات المسلحة والذي يخوله تنصيب وعزل كل من رئيس أركان الجيش والقائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية وتشكيل مجلس الدفاع الأعلى الوطني وإعلان الحرب، والصلح، والتعبئة العامة؛ وإقرار رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب، وعزله؛ والعفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح المحكمة العليا؛ إضافة لرسم وتعيين السياسات العامة للنظام، وتعيين رئيس الإذاعة والتليفزيون.
ويتم ترشيح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية من قبل مجلس الخبراء، وهو هيئة دينية تتولى الإشراف وتعيين وإقالة المرشد الأعلى، ونادراً ما يتدخل بالشؤون السياسية إذ إنه مختص بالحفاظ على تطبيق أسس وأركان نظام ولاية الفقيه. ولابد من توافر عدة شروط في المرشد الأعلى أبرزها العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية. إذن فالمخاطبة هنا لابد أن توجه للمرشد الأعلى والسؤال هنا: هل باستطاعة الولي الفقيه إنهاء احتلال الأحواز والجزر الإماراتية الثلاث وإرساء مبدأ حسن الجوار ووقف دعم الفتنة الطائفية في دول المنطقة وتطبيق أسس العدالة والتقوى؟