2015-10-10 

مستقبل التعاون الاقتصادى بين مصر والخليج

زياد بهاء الدين

بعد ظهر الخميس الماضى، وفى أعقاب تصريح الخارجية المصرية بأن قطر تساند الإرهاب فى مصر، تناقلت وسائل الإعلام بيانا منسوبا إلى مجلس التعاون الخليجى يتحفظ على هذا التصريح، الأمر الذى سارع المعلقون إلى اعتباره تغيرا فى الموقف الخليجى من مصر وتعارضا مع الجهود السعودية لتحسين العلاقة بين قطر وباقى دول المجلس. ولكن لم تكد تمر ساعات قليلة حتى أصدر الأمين العام لمجلس التعاون بيانا رسميا أكد فيه على استمرار مساندة دول الخليج لمصر فى مواجهة الإرهاب الداخلى والخارجى وفى إعادة بناء اقتصادها القومى. وقد أعاد هذا البيان الثقة والطمأنينة إلى الرأى العام، كما احتفى به الإعلام مؤكدا أن ما حدث كان نتيجة خطأ غير مقصود، أو سوء تفسير، أو محاولة للوقيعة بين مصر وأشقائها. المهم أن هذه السحابة الصيفية قد مرت بسلام وأن المياه عادت إلى مجاريها. مع ذلك فإن هذا الحادث الدبلوماسى العابر فرصة للتوقف والتفكير فى مستقبل العلاقات بين مصر وبلدان الخليج العربى الكبرى، خاصة على الصعيد الاقتصادى، وكيفية تطويرها ووضعها على مسار أكثر استدامة، لأنه مهما كان حجم المساندة التى حصلت عليها مصر من السعودية والإمارات والكويت فى أعقاب سقوط الحكم الإخوانى، والمستمرة إلى الآن، فإن سوء التفاهم الذى حدث فى الأسبوع الماضى تذكرة لنا بأهمية وضع تصور لعلاقة اقتصادية اكثر استدامة وتوازنا بين الطرفين المصرى والخليجى. المساندة الخليجية لمصر فى أعقاب ٣٠ يونيو كانت ولا شك سخية وسريعة وحاسمة، ولولاها لعانى المصريون من تداعيات وضع اقتصادى خطير خلفته سنوات الثورة والحكم الإخوانى، وتمثل فى نضوب الموارد والاحتياطيات وشلل الجهاز الإدارى للدولة وتعثر عجلة الاقتصاد والإنتاج، وتميزت هذه المساندة بأنها كانت بلا قيود ولا شروط من النوع الذى تفرضه المؤسسات المالية العالمية وأنها اتجهت لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا. وإذا كانت هذه المساندة الخليجية من الدول الثلاث قد عبرت فى جانب منها عن رغبتها فى حماية أمنها القومى ــ وهذا من حقها ــ فإنها قد عبرت أيضا عن شعور عميق بالمسئولية والالتزام تجاه مصر والاستعداد للوقوف بجانب شعبها فى هذه المحنة الكبرى. ومع ذلك فقد كان مفهوما منذ البداية لدى الجانبين أن هذا وضع استثنائى ومؤقت، إلى أن تجد مصر طريقها إلى الاستقرار الأمنى والسياسى، وتبدأ فى تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادى، بحيث تتراجع المنح والمساعدات الخليجية تدريجيا ويحل محلها تدفقات استثمارية من بلدان العالم جميعا وليس من الخليج وحده. ولكن تأخر تحقيق هذه الأهداف، مع عدم وضوح المسار الاقتصادى للبلد، هو مصدر الاضطراب الحالى وعدم التوازن فى العلاقة بين مصر وأشقائها فى الخليج. ولذلك فإن هناك ضرورة لحوار صريح بين الطرفين يحدد ملامح ومستقبل التعاون الاقتصادى بينهما بشكل واقعى وطويل المدى. فى الجانب المصرى فإن علينا إدراك أن المساندة الخليجية لمصر سوف تستمر بلا شك ولكنها سوف تتأثر بحقيقة أن الجزيرة العربية محاطة اليوم بمخاطر غير مسبوقة: الصراع الدائر فى اليمن جنوبا، وانهيار الدولة وتفككها فى العراق وسوريا شمالا، والتهديد الإيرانى المستمر، والتحول النوعى فى إرهاب داعش وغيرها، والتوتر الداخلى فى مجتمعات تتطلع لإصلاحات أكثر وضوحا، والانخفاض الكبير فى العوائد النفطية، وكل هذا يعنى أن المشكلات والتهديدات التى تتعرض لها دول الخليج سوف تجعلها أقل قدرة واستعدادا للانتباه إلى شئون غيرها على نحو ما فعلت فى السنوات الماضية. ولذلك فإن المساندة الاقتصادية لمصر، برغم كل ما تميزت به من إخلاص وأخوة حقيقية، فإنها لا يمكن أن تستمر إلى الأبد بذات الوتيرة، ويلزم أن يكون هناك تصور واستعداد لاحتمالات تخفيضها تدريجيا إلى الحدود القابلة للاستمرار واستخدامها بالشكل الأمثل. أما على الجانب الخليجى، فإن هناك ضرورة لفهم طبيعة التحديات الاقتصادية التى تواجه مصر بشكل أكثر عمقا وإدراك أن الخلل الأساسى فى الاقتصاد المصرى هو الفقر، وسوء توزيع الموارد والفرص والخدمات العامة، وضعف الحماية الاجتماعية. وقد اتجهت المساندة الخليجية بالفعل فى أعقاب ٣٠ يونيو إلى تمويل برامج اجتماعية وتنموية مثل بناء الصوامع والمدارس والمستوصفات ومشروعات الطاقة البديلة وإصلاح السكك الحديدية وإنارة القرى وغيرها. ولكن مع مرور الوقت فإن الاهتمام يتجه بشكل متزايد إلى تشجيع الاستثمار والاعتماد على السياسات الرامية إلى تحسين المؤشرات الكلية وخفض عجز الموازنة وزيادة معدل النمو، وكلها أهداف مهمة للغاية ولكن غير كافية وحدها دون معالجة الخلل الاجتماعى الأساسى. وفى تقديرى أن هناك حاجة لإعادة توجيه المعونات والمنح العربية لكى تستمر فى إعادة تأهيل الخدمات والمرافق العامة وتطوير الحماية الاجتماعية لأن هذا هو المسار الكفيل بأن يحدث نقلة نوعية فى المجتمع المصرى. التصريحات والمواقف الخليجية تجاه مصر لا تزال داعمة ومطمئنة، ولكن يجب الاستعداد والتشاور لمرحلة مقبلة قد لا تتوافر فيها هذه المساندة بذات الحجم، كما يلزم توجيه الموارد المتاحة حاليا للبرامج والسياسات التى تعيد تأهيل البنية التحتية والخدمات العامة التى يستفيد منها الشعب المصرى بكل طبقاته. هذه الفرصة لا تزال متاحة وعلينا استغلالها قبل فوات الأوان. *نقلا عن "الشروق" المصرية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه