2015-10-10 

احتضان التحول الاقتصادى المصرى

محمد العريان

مع الأخبار السيئة الآتية من الشرق الأوسط التى تولد الكثير من عناوين الصحف، كان من السهل إغفال التحول الحالى فى الاقتصاد المصرى. تحاول الحكومة المصرية، تصحيح هذا التصور، بدعوة مجموعة من المسئولين رفيعى المستوى من كل من القطاعين العام والخاص إلى شرم الشيخ من أجل مؤتمر تنمية مصر الاقتصادية الذى يبدأ فى 13 مارس. ومن المؤكد أن المناقشات سوف تلقى الضوء على الإحياء الحالى لواحد من أكبر الاقتصادات فى المنطقة. الأرقام مشجعة. فبعد وقت عصيب، ها هو الاقتصاد ينهض. إذ تسارع النمو ليصبح أكثر من 5 بالمائة فى النصف الأول من العام المالى الحالى المنتهى فى ديسمبر 2014. فى الوقت الذى يتعافى فيه الاستثمار، المحلى والأجنبى، تدريجيا، كما تعود السياحة شيئا فشيئا. ويُستهدَف هبوط عجز الميزانية إلى 10.5 بالمائة من إجمالى الناتج المحلى فى ميزانية 2014/2015 ــ من 12.5 بالمائة فى العام الماضى ــ و8 بالمائة فى 2016/2017. الثورة المصرية علاوة على ذلك، خف ضغط العملة المضطربة، الأمر الذى يسمح للبنك المركزى بخفض أسعار الفائدة. وأسهم هذا كله فى التقييم الأخير لصندوق النقد الدولى الأخير الذى يقول إن «الإجراءات التى جرى تنفيذها حتى الآن، إلى جانب شىء من استعادة الثقة، ستبدأ فى إحداث تحولات». على القدر نفسه من أهمية تلك المؤشرات، هناك آثارها بالمقارنة بالمشهد الناشئ لحل السياسة الاقتصادية الشاملة المصرية. فليس الهدف مجرد تثبيت الاقتصاد، بل كذلك تحرير قدرة البلاد الكبيرة غير المستغلة، التى عطلتها مرارا، على الرغم من أصول مصر البشرية والطبيعية الكبيرة، العوامل السياسية والجمود البيروقراطى عن توفير الرخاء الذى تستحقه أجيال المصريين فى الماضى والحاضر وتتوقعه الآن. لتحقيق هذه الغاية، تصاحب الإجراءات الفورية لتثبيت الاقتصاد ثلاثة أعمدة للإصلاح الاقتصادى الدائم تعزز بعضها البعض: تعزيز النمو الفعلى والمحتمل وخلق فرص العمل، بما فى ذلك قانون استثمار جديد للحد من أشكال القصور، وزيادة حماية المستثمرين وتوفير الحوافز المستهدفة، وإصلاح الدعم لتحسين الدعم المستهدف لشرائح المجتمع الأكثر عرضة للخطر. تشجيع البرامج التى تستهدف قطاعات بعينها، بالتركيز على المجالات الاقتصادية والاجتماعية المهمة، كالتعليم والصحة والإسكان والطاقة والبنية التحتية والمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات. خلق إطار اقتصادى كلى يستهدف بحق النمو الشامل المرتفع والمستديم، الذى يشارك السكان فى فوائده على نطاق واسع، مع تأكيد خاص على حماية الأشخاص الأكثر تعرضا للخطر. هذه المقاربة السياسية الشاملة، التى كانت غائبة فى تاريخ البلاد القريب، مهمة لرفاهية مصر الاقتصادية ذات المدى الأطول. وهناك كذلك شرط ضرورى (وإن لم يكن كافيا) من أجل وجود دولة أكثر شمولا من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. هذه المرة تستفيد مصر كذلك من الدعم الكبير من شركائها، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت. فالسلطات المصرية لا تقف وحدها فيما تبذله من جهود لإصلاح السياسة الاقتصادية لضمان نتائج أفضل. وهى ليست وحدها التى عليها الاعتراف بأن النجاح يعنى عمل الأشياء بشكل أفضل وعلى نحو مختلف، كما أنها ليست هى وحدها من يسعى لإعطاء أهمية أكبر لإشراك الشباب، وهم عنصر بالغ الأهمية فى أية مقاربة شاملة للإصلاح، وضرورة قصوى (خاصة عقب ثورة 2011). يعدَّل المانحون مقاربتهم كذلك. فقد تبنت الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص مقاربة مبتكرة على أرض الواقع فى المناطق الحضرية والريفية. وهذا النموذج يتمم المساعدات المالية والفنية بمشاركة وثيقة مع الحكومة المصرية والأعمال المصرية فى مشروعات تبنى البيوت والمستشفيات وتنشئ المدارس وتوفر المواصلات العامة وتحسين الخدمات الصحية والطرق العامة. وفى ظل هذه التطورات الواعدة، سوف تكون هناك أربعة تحولات مهمة لنجاح مصر فى بناء اقتصاد أكثر رخاء: تحسين تنفيذ السياسات لضمان أن تصميم البرامج يشمل التنفيذ المستجيب الذى يتكيف بطريقة ملائمة مع التطورات فى الاقتصادر العالمى المتقلب بشكل متزايد. نقل التنمية الاقتصادية عن الاعتماد على النمو الذى تقوده الدولة فحسب إلى نموذج أشمل يكمل المشروعات القومية المهمة بشراكة بين القطاعين العام الخاص وأنشطة القطاع الخاص (خاصة الأعمال صغيرة ومتوسطة الحجم). إعادة هيكلة المؤسسات المحلية لضمان كونها أكثر شفافية وكفاءة ومحاسبة وشمولا، وأنها تفى بحاجات شعب مصر بالكامل، وليس قلة مميزة. توسيع الدعم الخارجى لإصلاح مصر الداخلى من بضع شركاء لمجموعة أوسع من المانحين (بما فى ذلك المؤسسات الإقليمية ومتعددة الأطراف). هذه التحولات مهمة كى تتغلب مصر على عقود من الأداء الاقتصادى المتدنى المزمن وتعرضها المفرط لخطر أهواء الاقتصاد العالمى المتقلب بشدة، وتلبية الطموحات المشروعة لثورة يناير 2011. وسوف يتطلب ضمان حدوثها بنجاح، وفى الوقت نفسه، توليفة من التنفيذ المحلى الواعى والدعم الخارجى الملائم، كما أنه لابد من استدامة الرغبة العريضة فى تقديم الدعم الاجتماعى والسياسى. سوف يكون لفوائد التحول الاقتصادى المصرى الناجح تداعياتها الملحوظة التى تتجاوز حدود البلاد بكثير. فمصر الديناميكية والنامية تمثل جزءا لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط الأكثر أمانا واستقرارا. *نقلا عن "الشروق"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه