من تونس، رشيد خشانة
آثار إعلان الموفد الأممي برناردينو ليون عن اتفاق بين الفرقاء السياسيين اللِّيبيين مزيدًا من التجاذبات والمُماحكات، ورفع من درجة الإحتقان إلا أنّ لكن الخبراء والمراقبين يُرجّحون تنفيذ بنود الإتفاق عاجلا أم آجلا.
وأكد ترجيحات الخبراء اعلان خمس دول أوروبية كبرى، هي بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة دعمها لبنود الإتفاق، واثبت توعد تلك الدول للرافضين بالويل أنّه ثمرة قرار دولي وإقليمي.
وبحسب سويس انفو فإن الدول السِتّ اعتبرت أن أي تأخير في إقرار وتنفيذ المقترح الأممي، سوف يُطيل أمَد مُعاناة الشعب اللّيبي، مُهدّدة بـ "عزل" الذين لا يحترمون اقتراح تشكيل الحكومة في ليبيا.
بهذا المعنى، أيا كان حجم الإحتقان والإعتراضات التي ستأخذ وقتا لترضية أصحابها، فإن حكومة الوفاق ستوضع على السكة ومعها المؤسسات الإنتقالية المنصوص عليها في الإتفاق، وخاصة مجلس الدولة.
وبالتأكيد فحكومة الوفاق الجديدة ستقابل الكثير من التحديات في مقدمتها
افتقارها للشوكة التي تُمكّنها من بسْط سلطتها على كافة المناطق فالوضع في ليبيا وصل إلى درجة من التدهْـور والتعفّن، باتت معها البلاد مُهدّدة بالتقسيم والصَّـوْملة، بعدما اقتطع كل فريق قِسما من البلد ووضعه في قبْضة ميليشياته.
فالعاصمة طرابلس وأجزاء من المنطقة الغربية تحكمها ميليشيات "فجر ليبيا"، والمدينة الثانية بنغازي ومعها قسم من المنطقة الشرقية (برقة) توجد تحت سيطرة ما تبقّى من الجيش الليبي بقيادة الجنرال المُثير للجدل خليفة حفتر، فيما أحكم تنظيم "داعش" قبضته على 90% من مدينة سِرت (وسط). وتُـسيْطر ميليشيات قبلية على مناطق أخرى، مثل الزنتان (غرب) وسَبْها، عاصمة فزان (جنوب)، وهي المدينة الثالثة. من هنا، سيكون صعبا إخضاع هذه القوى لأجندة التوافق وقبولها الإمتثال لسلطة الحكومة الإنتقالية التي من المُقرّر أن تستمرّ سنة واحدة.
أضف إلى ذلك تهميش المؤسسة العسكرية حيث أكّد وزير سابق، فضّل عدم الكشف عن إسمه في تصريح خاص لـسويس انفو أن ما تبقّى من الجيش النظامي، لا يتجاوز ألف عنصر مع عَـتاد محدود.
وأرجع ذلك حلّ القذافي الجيش منذ أكثر من عشر سنوات، واستقطاب الميليشيات للكفاءات العسكرية بعد ثورة 17 فبراير 2011. وقد باءت كلّ المحاولات التي بذلتها الحكومات السابقة لتدريب مُجنّدين جُددا في دول عربية وأوروبية، بالفشل، لأن أولئك المُتدرّبين يختفون في غابة الميليشيات أو يعودون إلى قبائلهم ومدنهم الأصلية بعد نهاية فترة التأهيل في الخارج.
لا تقتصر التحديات على وإنما ستجد حكومة الوفاق أمامها أيضا وضعا اقتصاديا كارثيًا، بعدما سحبت الحكومات السابقة من الإحتياط لتُنفق على إسكات الميليشيات، بالإضافة للفساد الإداري الذي يهدر إمكانات الدولة في نفقات وهمية.
يقول محمد عبد الله النايلي، المكلف بصرف رواتب الموظفين في إحدى المدن الغربية لسويس انفو "إن مئات الموظفين يتقاضون في الشهر الواحد راتبيْن أو ثلاثة وحتى أربعة من الدولة، وهُم لا يُداومون في أي موقع إداري". أما العقبة الأكبر أمام أية حكومة قادمة، فهي تراجع منتوج البلد من النفط وارتفاع عجْز الموازنة العامة إلى أكثر من 18 مليار دولار في العام المنقضي"
فليبيا التي كانت تُنتج أكثر من 1.6 مليون برميل من النفط يوميا قبل الثورة، يصل إنتاجها اليوم بالكاد إلى 400 مليون برميل، أي رُبع المنتوج المُعتاد عليه. كما أن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، يُضاعف من تلك المصاعب ويؤدّي إلى عجز يفرض اتخاذ إجراءات تَـقشُّفية وإلغاء عدّة مشاريع، بينما البلاد مُقبِلة على حركة واسعة لإعادة إعمار ما تهدّم طيلة السنوات الأخيرة.
ليبيا هي رابع دولة في إفريقيا من حيث المساحة، رغم أن عدد سكانها يبلغ حوالي سبعة ملايين فقط. وهي حلقة الوصل بين إفريقيا وأوروبا، إذ تمتد سواحلها على مدى ألفيْ كيلومتر، وهو أطول ساحل بين الدول المطلّة على البحر المتوسط.كما أنها تملك عاشِر أكبر احتياط نفطي مؤكّد في العالم، لكن الدولة الليبية مع ذلك مهدّدة اليوم بالإفلاس.
وعليه، فإن من أولى مهام الحكومة المقبلة، إعادة فتح ميناءيْ السّدرة ورأس لانوف (شرق)، أكبر موانئ البلاد المُغلقين منذ ديسمبر 2014، بالإضافة إلى التصدّي لمحاولات تنظيم "داعش" الإقتراب من الهلال النفطي لضمان موارد مالية له، على غرار ما فعل في العراق وسوريا.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مشروع الإتفاق الذي تقدّم به برناردينو ليون، يقضي بتكوين مجلس رئاسي يتألّف من رئيس حكومة ونوابه الثلاثة، على أن يمثل كلّ واحد منهم إقليماً من أقاليم ليبيا. كما طرح إسم فايز السراج لرئاسة الحكومة (وهو عضو في مجلس النواب المُعترف به دوليا ويُمثل المنطقة الغربية أو إقليم العاصمة طرابلس) ونوابه الثلاثة، فتحي المجبري (من أجدابيا وممثل المنطقة الشرقية أو إقليم برقة)، وموسى الكوني (من المنطقة الجنوبية أو إقليم فزان) وأحمد أمعيتيق (من مدينة مصراتة وممثل لإقليم طرابلس). غير أن هذه التشكيلة لاقت أنواعا مختلفة من الإعتراضات، وخاصة من أعضاء "المؤتمر الوطني العام" المُنتهية ولايته، ما تسبّب في عودة المشاحنات والتنابذ بين القطبيْن المتصارعيْن، أي "المؤتمر" و"مجلس النواب" المُعترَف به دوليا.