رندة تقي الدين
توقعت مؤسسة الاستثمار السعودية جدوى أن تبقي السعودية إنتاجها من النفط بمستوى ١٠,١ مليون برميل في اليوم من النفط، لما تبقى من هذا العام وأيضاً لعام ٢٠١٦. فهذا منطقي ومبرر لأن السعودية تريد حماية حصتها الإنتاجية في السوق العالمية ولا تخفضها لحساب آخرين يأخذون ما تخفضه من حصة، لأنها لو فعلت ذلك مع بقاء أسعار النفط متدنية ستخسر السعودية الحصة الإنتاجية والعائدات المالية. ولو استجابت السعودية لما تطالبها به فنزويلا وإيران والجزائر من تخفيض إنتاجها، لخسرت الحصة الإنتاجية والعائدات المالية. فلا داعي للقيادة السعودية التي تضع سياسة المملكة النفطية أن تغير مسار سياستها النفطية حتى لو انخفضت أسعار النفط. فهي ليست مسؤولة عن هذا الانخفاض في الأسعار الذي بدأ مع فورة إنتاج النفط الصخري في اميركا، عندما وصلت أسعار النفط إلى مئة دولار للبرميل وساهمت في الفائض في العرض النفطي العالمي. أما الآن، فهناك انخفاض ملحوظ في إنتاج النفط الصخري الاميركي بسبب تدني أسعار النفط. ورغم تطوير سريع لتقنيات أقل تكلفة لإنتاج هذا النفط، فإن إنتاجه لن يعود إلى مستوياته السابقة بسبب تقليص قدرات الاستثمار وتمويل المشاريع. فالشركات الصغرى التي كانت تكثف تمويل الكثير من أعمال شركات تعمل للحفر والتنقيب وإنتاج النفط الصخري، لم تعد تملك القدرات التمويلية التي كانت لديها عندما بلغ سعر برميل النفط أكثر من مئة دولار. أما عودة النفط الايراني إلى الأسواق، فهي متوقعة في السنة القادمة وربما في شهر آذار (مارس) أو أبعد من ذلك وحتى إذا تأخر موعد رفع العقوبات بسبب التقنيات المرتبطة به، فلن يغير الكثير في وضع اوبك. لأن ايران عضو قديم في المنظمة وكان إنتاجها دائماً محسوباً في المنظمة، وعودة إنتاجها بكميات كبرى تحتاج إلى استثمارات باهظة لأن الحقول قديمة وتحتاج إلى استثمارات كثيرة وحوافز عديدة من الشركات الكبرى للاستثمار في ايران، وهي معروفة بصعوبة شروط الاستثمار فيها، فيما عمل الشركات النفطية يتطلب شروطاً تعاقدية مشجعة.
فإنتاج ايران لن يغير شيئاً في استراتيجية السعودية لحماية حصتها لأن المملكة اختبرت في الثمانينات تخفيض إنتاجها في الفترة التي شهدت طفرة في إنتاج نفط بريطانيا من بحر الشمال وقد هبط سعر النفط إلى ٨ دولارات للبرميل. ولكنّ الإنتاج هبط في الوقت نفسه إلى ٣ ملايين برميل في اليوم، مما أثر سلباً في السعودية حينه. أما الآن فالحديث عن عدم تمكن السعودية من الصمود خمس سنوات بهذا المستوى من العائدات هو حديث مناقض للحقيقة. فلدى المملكة أكثر من ٦٦٠ بليون دولار من الاحتياطي المالي. ولا تخوف على قدراتها المالية مثلما يتردد، والبنوك في السعودية لديها أموال طائلة واللجوء إلى الاقتراض عبر سندات خزينة وكالة المال السعودية «ساما» يمثل طريقة احترازية للحفاظ على الاحتياطي المالي.
إن حماية حصة السعودية من الإنتاج النفطي هي سياسة ذكية لأنه عندما سترتفع أسعار النفط في المدى المتوسط إلى ٨٠ دولاراً للبرميل كما يتوقع كثيرون من الخبراء في مجال النفط، ستكون السعودية الرابحة بسبب حمايتها حصتها الإنتاجية من النفط. أما المشاريع الكبرى في السعودية فقد تحتاج إلى بعض الوقت الإضافي لتنفيذها. وطبيعي أن تصبح المملكة أكثر حذراً في الإنفاق وأن تعيد النظر في بعض المشاريع التي ليست في حاجة ماسة إليها في الوقت الحاضر مثل أي بلد كبير آخر، ولكن استراتيجيتها النفطية ناجحة لحماية مكانتها العالمية ولا سبب لتغييرها.
*نقلاً عن "الحياة"