تبنّت الولايات المتحدة استراتيجية لتهدئة المخاوف الخليجية بشأن الاتفاق النووي مع إيران ومخاوف تخلّي الولايات المتحدة عنها، من خلال مبيعات الأسلحة الجديدة وإعادة تقديم التعهّدات الأمنية الأميركية القائمة.
وتُعدّ دول مجلس التعاون الخليجي شريكاً مهماً في المجال العسكري وفي مكافحة الإرهاب، حيث تمثّل مبيعات الأسلحة وبناء القدرات عنصرَين أساسيّين لانخراط الولايات المتحدة مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي.
ومع ذلك، فإن مصالح الولايات المتحدة وبعض شركائها في دول مجلس التعاون الخليجي تختلف اختلافاً كبيراً في بعض الأحيان. علاوةً على ذلك، من غير الواضح بتاتاً أنّ دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تصدّق التطمينات الأميركية - أو إذا اقتنعت بهذه التطمينات، أن تصدّق أن واشنطن يمكن أن تحقّق لها ماتريد في الوقت الذي تريده.
إذ تتمتّع دول الخليج بالفعل، وسيستمر هذا لبعض الوقت، بالتفوق العسكري التقليدي على إيران،30 كما أن الأسلحة والمعدّات التي قدمتها الولايات المتحدة ليست مطابقة تماماً مع التهديد غير المتكافئ الذي تتصوّره هذه الدول من إيران ووكلائها. ولن تكون المساعدة أيضاً ذات فائدة كبيرة في التصدّي للتهديدات الداخلية للاستقرار.
إذا كانت الولايات المتحدة تركّز فقط على طمأنة شركائها في الخليج، فإن هؤلاء سيواصلون سياسة المسار المزدوج المتمثّلة في الحصول على التزامات أميركية، بينما يقومون في الوقت نفسه بإجراءات تقوّض، في بعض الحالات، مصالح الجانبَين المشتركة في الاستقرار الإقليمي.
وبعبارة أخرى، فإن تعزيز الالتزام بالصيغ المجرّبة والحقيقية نفسها قد يكون ضرورياً لحماية مصالح الولايات المتحدة الأساسية في منطقة الخليج، ولكنه ليس كافياً.
أَوجدت الخطة الشاملة للعمل المشترك بين مجموعة 5+1 وإيران مجالاً لحوارٍ تقوده الولايات المتحدة بشأن منتدى أمني إقليمي جديد وبنية يمكنها تقليص اعتماد دول الخليج على الوجود العسكري الأميركي المكلِف، وتعزيز الاستقرار على المدى الطويل على نحو أكثر فعّالية من التدخّل العسكري الأميركي والخليجي، وتحقيق توازن قوى دائم وأقلّ تكلفة.
ربما في نهاية المطاف، يمكن أن يساعد ذلك أيضاً في تحفيز إصلاحات الحكم والإصلاحات الداخلية الأخرى التي تحتاجها دول الخليج للحفاظ على استقرارها وأمنها على المدى الطويل.
وفي ظل غياب المؤسّسات الأمنية والاقتصادية الإقليمية الفعّالة، ستكون استراتيجية الولايات المتحدة بالاعتماد على دول الخليج لمواجهة التحدّيات الأمنية الإقليمية محدودة بسبب أوجه القصور التي تعاني منها تلك الدول.32
بناء المؤسّسات سيتطلّب من الولايات المتحدة زيادة حجم طموحاتها وآليتها الدبلوماسية. وسيتعيّن على واشنطن أن تتناول بحذر دورها في تصميم هذا المشروع الجديد لتجنّب الدخول في حقل ألغام سياسية ودبلوماسية.
بناء المؤسّسات سيتطلّب من الولايات المتحدة زيادة حجم طموحاتها وآليتها الدبلوماسية. وسيتعيّن على واشنطن أن تتناول بحذر دورها في تصميم هذا المشروع الجديد لتجنّب الدخول في حقل ألغام سياسية ودبلوماسية.
كما أن بناء هيكل أمني جديد يتطلّب دعماً محلياً لتحقيق نجاح دائم وأيضاً إلى دعم خارجي لإطلاقه وإنجاحه. ومن الضروري أن تكون المملكة العربية السعودية وإيران، على وجه الخصوص، مسؤولتين عن هذه المبادرة.
وعلى الرغم من ذلك، ثمّة عدد قليل جداً من التطورات الهامة التي تحدث في الشرق الأوسط من دون قيادة أميركية قوية. ولذا من الضروري أن تشارك الولايات المتحدة في هذا المنتدى لموازنة نفوذ إيران.
علاوةً على ذلك، فإن تطوير المنتدى الجديد، وتطوره المحتمل إلى نظام أمني أكثر تنظيماً، سيكون بالضرورة عبارة عن دبلوماسية أخذ وعطاء متكرّرة بقيادة الولايات المتحدة.
الوصول إلى نتيجة ناجحة تصوراً أكثر دقّة لقيادة أميركية، ترتكز على حقيقة أن نهجاً جديداً تجاه الأمن في الخليج لن يكتسب أي زخم من دون دعم دول الخليج وتعاونها.33
وبالتاليلذا، يمكن لواشنطن، وينبغي عليها، أن تقترح أفكاراً وحلولاً، بيد أن عليها ألّا تحاول أن تُملي النتائج. وبالتالي فإنه سيُنظر إلى أي دور أميركي رفيع المستوى في إنشاء منتدى أمني جديد بعين الريبة والشكّ، وأي خطة ستولد ميتة إذا تم النظر إليها باعتبارها "صُنعت في أميركا".
علاوةً على ذلك، وبينما يتعيّن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدّة لتجشّم بعض المخاطر لتشجيع المشاركة، فإنه لاينبغي أن يتم تحميلها جميع مخاطر وتكاليف دفع هذه المبادرة قدماً، ولا أن تضع نفسها موضع اللوم إن هي فشلت. ويجب أن يرتكز اثنان من مبادئ عمل الولايات المتحدة على إيجاد حلول إقليمية للمشاكل الإقليمية، وشركاء دوليين لتقاسم عبء إنشاء البنية الجديدة.34
سيكون من الصعب على معظم شركاء مجلس التعاون الخليجي تقبُّل المشاركة الإيرانية في المنتدى، وخاصة في المملكة العربية السعودية، وستتم مقاومة دعم الولايات المتحدة لعضوية العراق في المنتدى. ولذا من الضروري أن تستخدم الولايات المتحدة مزيجاً من الضغوط والحوافز الإيجابية لتأمين التعاون في هذا الجانب.
وقد يكون ليُّ الأذرع بطريقة ليّنة كافياً مع الدول التي تبدو أكثر تسامحاً تجاه إيران والعراق، مثل عُمان والكويت والإمارات العربية المتحدة.
إلا أن من المرجّح أن تُضطر الولايات المتحدة إلى إقناع السعوديين على أعلى المستويات، وإلا فإن قادتها لن يأخذوا المبادرة على محمل الجدّ.
ومع ذلك، يجب ألّا تتضمّن عملية ليّ الذراع هذه جهوداً حكومية أميركية مباشرة للتوسّط في النزاع بين المملكة العربية السعودية وإيران، لأن من شأن ذلك أن يثير شكوك السعودية حول النوايا الأميركية، ويحمل مخاطر عالية بحدوث ردّ فعل سلبي من كلا البلدين.35
سيكون من المهم أولاً إشراك السعوديين في هذه المبادرة وضمان موافقتهم على المشروع. وإذا ماوافق السعوديون على إجراء مناقشات غير رسمية واستكشافية مع الأطراف المشاركة المحتملة الأخرى، ينبغي على الولايات المتحدة أن تهيّئ للاقتراح مع البلدان (على سبيل المثال، مجموعة اتصال) التي ستكون الأكثر حماسة أو الأقلّ مقاومة له.
وسيكون الأمين العام للأمم المتحدة ومنسّق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي مرشّحَين قويَّين للعب دور قيادي في هذه المجموعة. أما العُمانيون فيمكن أن يكونوا مرة أخرى بمثابة وسيط مفيد مع إيران، وربما يتحمّل الاتحاد الأوروبي والهند أيضاً بعض هذا العبء. فالهند، على وجه الخصوص، لديها اهتمام كبير بتوسيع نفوذها في منطقة الخليج. إضافةً إلى ذلك، قد تلعب روسيا والصين دوراً بنّاءً في تأمين الدعم الإيراني للمنتدى الجديد.
التزم المسؤولون الأميركيون في الوزارات المختلفة بصيغة واحدة بهدف إبراز الرسائل الرئيسة التي ترغب واشنطن في إيصالها:
· إلزام إيران بنظام قواعد ومؤسّسات، سيكون وسيلة للحدّ من النفوذ الإيراني وجعله أقلّ تهديداً، ومكمّلاً لوسائل أكثر قوة لتقييد طموحات إيران الإقليمية.
· المنتدى سيتيح الفرصة لتخفيف حدّة التوتر، وإدارة الأزمات، ومنع النزاعات التي قد تتصاعد إلى صراع مسلّح لن يخدم مصالح أي طرف.
·
· العلاقات العسكرية والأمنية الثنائية التي أقامتها الولايات المتحدة مع دول مجلس التعاون الخليجي حجر الأساس لأمن الخليج، ولن يكون منتدى الأمن الإقليمي بديلاً عن هذه الالتزامات.
·
يتعيّن على الولايات المتحدة، خلال الأشهر المقبلة، أن تغتنم كل فرصة دبلوماسية لبدء نقاشات هادئة مع دول الخليج العربية والأطراف المشاركة المحتملة الأخرى في منتدى أمني إقليمي جديد، لقياس مدى اهتمامهم ودعمهم لهذه المبادرة. قد تكون قطر أيضاً مستعدة لاستضافة حوار بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، كما صرّح أمير قطر مؤخراً في خطابٍ ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي غضون العام أو العامَين التاليَين، يمكن عقد اجتماعات في أي عددٍ من الأماكن الرسمية أو غير الرسمية في أنحاء المنطقة.
سيكون هناك حاجة لعقد مناقشات هادئة بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره السعودي بشأن هذه المبادرة، واعتماداً على سير هذه المحادثات، بدء مناقشات دبلوماسية ثلاثية مباشرة أو غير مباشرة بين إيران والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. ومن شأن مشروع إعلان المبادئ، على غرار معاهدة الصداقة والتعاون الفضفاضة في رابطة آسيان، أن يدعم البنية الأمنية جديدة، ويمكن أن يكون بمثابة نقطة محورية في هذه المناقشات.
في الوقت المناسب، وإذا أسفرت هذه الحوارات عن أشكال ملموسة من التعاون وزيادة الثقة بين الطرفين، يصبح في الإمكان جعل شبكة الاجتماعات ضعيفة التنظيم وغير الرسمية هذه أكثر رسمية وإضفاء الطابع المؤسّسي عليها. إضافةً إلى ذلك، يمكن توسيع جدول الأعمال لمناقشة تدابير بناء الثقة والأمن الأكثر أهمية، وربما خفض الأسلحة في المستقبل البعيد.