عندما اندلعت شرارة الأزمة السورية وعلا لهيب نارها جادت بكين بمبادرة من ست نقاط، كان ذلك في 2012، خلال ذلك صوتت الصين بالفيتو في مجلس الأمن ضد قرارين يدينان النظام السوري، يومها كان على الجمهورية الشعبية أن تواجه مشكلة مع الدول النافذة في المنطقة، وحاولت وقتها أن تدفع بمبعوثين لها للمملكة وبعض الدول العربية لتوضيح وجهة النظر الصينية، وترويج للمبادرة، لكنها شعرت أنها تناور في منطقة لا تعرف قواعد الاشتباك فيها، ففضلت التواري بعيداً عن الأزمة لإدراكها أن الخسائر قد تكون فادحة.
إلا أنها اليوم تعود إلى واجهة تلك الأزمة ليس كمتابع أو مراقب، لكن يبدو أنها تريد أن تشهد لحظة ميلاد الحل السوري، وتشارك في صياغته.
عادت بكين إلى خط حل الأزمة السورية بعد أن شعرت برغبة دولية في حل سياسي للمعضلة التي تراوح مكانها منذ ما يربو على خمس سنوات، وأدت مفاعيلها إلى حالة خطرة على الأمن القومي، فقد تركت الصراع السوري حتى أنهك الجميع لتدخل على خط الأزمة، فالصين لا تريد أن يُصاغ الحل بعيداً عنها، وإن كانت بكين لا مصالح اقتصادية لها في سورية قبل الثورة، إلا أنها لا شك تريد الحفاظ على دور في مستقبل سورية ما بعد الأسد، فالتحالف السياسي بين بكين والنظام السوري عُرف بقوته، وهي تدرك في ذات الوقت الأهمية الجيواستراتيجية لسورية، فالصين ترى في الشرق الأوسط منطقة مصالح استراتيجية بالنسبة لها، وتعرف أيضاً أن هشاشة الوضع في المنطقة قد يهيئ لها فرصة مواتية لتكون هي الأخرى على حدود الناتو، كما أن علاقاتها المتميزة مع العراق وإيران وأفغانستان تجعلها قادرة على الوصول براً إلى مياه المتوسط، والكل يدرك أن الصين تعمل اليوم على مشروعها الاستراتيجي المسمى «الطريق والحزام» الذي تريد من خلاله جعل الصين محوراً عالمياً.
لقد دخلت الصين في لحظة الحل، وابتعدت في لحظة الاشتباك، لكي لا تضطر إلى الاصطفاف بشكل واضح تجاه أي طرف، فمن جهة تدرك فداحة أفعال النظام السوري وتورطه وتغوله في دم شعبه، وتخشى في الوقت نفسه أن يحسب عليها دعمها لأي فصائل تطالب بإسقاط النظام؛ إما حفاظاً على الالتزام مع روسيا، أو خشيتها من أن يؤدي إسقاط النظام إلى مآلات قريبة مما حدث في ليبيا، أو أن يعطي ذلك أي دلالة لأصحاب النزعات الانفصالية لدى بعض المجموعات الصينية.
إن دعوة بكين النظام والمعارضة لدعم مساعي الحل السياسي قبيل إطلاق المفاوضات نهاية الشهر الجاري، وإعلان المعلم من بكين موافقة نظام الأسد على الالتقاء بالمعارضة، ولقاء وزير الخارجية وانغ يي رئيس الائتلاف السوري أمس في العاصمة الصينية.. هذا التحرك يأتي مدعوماً من موسكو التي ترى في الصين حليفاً يجب إشراكه، بالرغم من أن بكين لا خبرة لديها في منطقة الشرق الأوسط على المستوى التاريخي، لكن دخولها اليوم يعطي الموقف الروسي مزيداً من القوة، فالصين في نهاية الأمر ليست دولة هامشية.
إن إدراك دول المنطقة للدور البنّاء للصين، والتزامها السلمي في قضايا المنطقة يجعلانها جديرة بدور أساسي في هذه الأزمة المستعصية، لكن يجب أن يكون لدى بكين تصور مختلف عن ذلك الذي التزمته في بدايات الأزمة، وأن الأمور تتجه صوب مرحلة جديدة لا مكان للأسد فيها.
صحيفة الرياض