المنتدى الدولي للاتصال الحكومي في الشارقة بدأ والطائرة «الجمبو» التي أقلتني من لندن تحوم أكثر من ساعة فوق مطار دبي ولا تستطيع النزول بسبب عاصفة رملية حجبت الرؤية، وانتهى والصديق أسامه سمرة، مدير مركز الشارقة الإعلامي، يقرأ أسماء الفائزين بجوائز رمزية ورئيس المركز، الصديق الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، يسلم الجوائز للفائزين. وقدرت أن كل مَنْ حضر نال شيئاً باستثنائي والعاملات اللواتي قدمن طعام العشاء. بين العاصفة والحرمان من جائزة رمزية كان كل شيء جميلاً فالمنتدى شبَّ عن الطوق في أربع سنوات، والشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى وحاكم الشارقة، ألقى كلمة الافتتاح التي جمعت بين الخبرة في الحكم وأكاديميته المعروفة. وتبعه ضيف الشرف الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان بكلمة جامعة فتمنيت لو كان لا يزال الرئيس بدل أن يأتينا غداً مَنْ هبَّ ودبّ وأكل مال الشعب. التواصل شعار المنتدى وهو بمعنى الاتصال بين الحاكم والمحكوم، أو الحكومة والشعب، فيكون باتجاهين. وقد حذر الشيخ سلطان بصراحة من منزلقات في تواصل الحكومات مع المواطنين نتيجة خلط التواصل الانتخابي والتواصل السياسي بالدعاية للسلطة صاحبة ذلك التواصل. وقال الرئيس سليمان إن العولمة تنتشر كالنار في الهشيم من دون أن تلغي الوسائل التقليدية للاتصال مثل اللقاء المباشر وجلسات الحوار (الديوانيات)، وحذر من أن تهرّب القادة والحكومات من الاتصال المباشر مع الجمهور يؤدي الى حواجز وقيام بيروقراطية في الإدارة والمؤسسات. واتفق المتحدثون على أن زمن سيطرة الحكومات على وسائل الإعلام ولّى. وقالت ضيفة الشرف رئيسة وزراء استراليا السابقة جوليا جيلارد إن السياسيين لم يعودوا قادرين على خداع الجمهور. هنأتها على كلمتها وقلت لها على سبيل التشجيع إنها أجمل وأصغر مما تبدو في صورها، وحتماً أفضل من توني أبوت رئيس وزراء أستراليا الحالي. أكثر التواصل الذي تحدث عنه المشاركون كان بين حكومة عاقلة وشعب معقول، إلا أننا في الوطن العربي السعيد بجهله لسنا كذلك فعندنا دول من نوع العراق وسورية واليمن وليبيا وغيرها حيث الطرفان قامع ومقموع. سرني كثيراً أن يكون بين المتحدثين صديق عزيز هو فيصل الفايز، رئيس وزراء الأردن الأسبق، الذي دعا الى محاربة فكر التطرف والإرهاب بدءاً من المنزل، وقال إنه لم تعد أي دولة قادرة على إخفاء معلومات بحجّة الأمن القومي لأن وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تكشف خبايا الحكومات وتنجح في إطلاق ثورات. وسمعت الأخ الأخضر الإبراهيمي يتحدث في جلسة ناقشته فيها الزميلة راغدة درغام، وأسجل على نفسي أنني أؤيد كل ما قال بما في ذلك إن الغزو الأميركي للعراق هيّأ ظروف قيام القاعدة. هو قال أيضاً إن ايران جزء من المشكلة في الشرق الأوسط وجزء من الحل. المؤتمرات الكبيرة من نوع المنتدى الدولي للاتصال الحكومي في الشارقة تجمع سياسيين ومفكرين وخبراء من حول العالم، ويستفيد المشارك في الجلسات وبين جلسة وأخرى. ثم هناك فرصة مقابلة أصدقاء وزملاء فقد رافقني في الطائرة الزميل عبدالباري عطوان، وكان الزميل غسّان شربل، رئيس تحرير «الحياة»، سبقني ووجدت في الشارقة الزميل راجح خوري، وأيضاً زاهي وهبي وجورج قرداحي. غاظني اجتماع الحسان حول زاهي وجورج وقلت لصغيرة حسناء أن تلتزم الحذر لأن جورج تزوج عشر مرات وهو الآن يقضي نصف وقته في المحاكم مع زوجاته السابقات. إلا أن جورج ضحك وهي لم تصدقني. الدنيا تغيّرت والبنت الصغيرة لم تعد تُخدَع بالحكي «الفاضي». الشعوب أيضاً لم تعد تُخدَع والشيخ سلطان بن محمد قال إن زمن سيطرة الحكومات على مصادر الإعلام ولى والسؤال الذي يطرحه على نفسه وفريق العمل في مركز الشارقة الإعلامي هو كيف ستكون طبيعة الاتصال الحكومي في 2020 و2030 مع التغيير التكنولوجي المستمر والمتزايد. ورأيت الأخ أسامه سمرة يتنقل بين المدعوين والجلسات مراقباً كل كبيرة وصغيرة وقررت أنه لن يسمن لو عاش عمر لـُبَد. بين هذا وذاك وغيره كانت الضيافة كريمة من المطار حتى الفندق وقاعة المؤتمر، وانتهاء بالعشاء الأخير ومسرحية «الظلال» الجميلة، التي قاومت البرد والهواء في المسرح المكشوف لحضورها، وتمنيت لو كنت محجباً مثل سيدة جلست الى جانبي. في النهاية، طلعت وغسّان وراجح والزملاء الآخرون من المولد بلا حمّص، أو بلا جائزة رمزية. معلهش يا زمن. هناك دورات أخرى في سنوات مقبلة. *نقلا عن الحياة اللندنية