الحياة - لا تبالغ إيران عندما تحتفل برفع العقوبات التي كانت مفروضة عليها بسبب ملفها النووي. إنها خطوة سوف تحرر الاقتصاد الإيراني وتفتح أسواقه أمام المنتجات الغربية، ما سوف ينعكس بشكل طبيعي انخفاضاً في الأسعار وتنوعاً في البضائع. كما أن هذه الخطوة سوف تضخ في الخزينة الإيرانية 30 بليون دولار بصورة فورية، من أصل مئة بليون دولار من أموال إيران المجمدة، بالإضافة إلى 500 ألف برميل من النفط سيتاح لإيران أن تضيفها يومياً إلى صادراتها الحالية، كخطوة أولى على طريق إعادة إنتاجها إلى ما كان عليه قبل العقوبات.
ليس صعباً أمام مردود فاتورة غنية كهذه، أن نفهم أسباب التسامح الذي لقيه الرئيس روحاني ووزير خارجيته الظريف من قبل المرشد علي خامنئي وجماعة «الحرس الثوري»، والذي أتاح لفريق روحاني «الإصلاحي» إتمام عملية التفاوض مع الغرب وتلبية الشروط والقيود التي تم فرضها على البرنامج النووي، في مقابل المكاسب الاقتصادية التي تحققت لطهران.
في الصراع القائم في إيران بين سلوك «الدولة» القائم على ضرورة احترام أصول العلاقات بين الدول، ونهج «الثورة» القائم على الفوضى والاستقواء والتدخل في شؤون الآخرين، وصلت إيران إلى قناعة بأن مصلحتها تقتضي التعامل مع الغرب بمنطق «الدولة»، في الوقت الذي يغض هذا الغرب، وخصوصاً إدارة أوباما، الطرف عنها، بينما يستمر سلوكها في المنطقة هو سلوك «الثورة» الجاهزة للتصدير إلى الدول المجاورة، كما كان عليه الحال منذ عام 1979.
تصرفت إيران مع الغرب منذ وصول روحاني إلى الحكم عام 2013 تصرف «الدولة». تخاطب الغرب بلغة مصالحه. لهجة العداء تراجعت، ولم يعد هناك مكان لتهمة «الشيطان الأكبر» التي كانت صفة لازمة للولايات المتحدة، إلا بقدر ما يحتاج الاستهلاك المحلي إلى هذا الخطاب. ولم يكن القبض على البحارة الأميركيين في الأسبوع الماضي فوق إحدى الجزر الإيرانية في الخليج، وطريقة الإفراج عنهم إلا دليلاً على المناخ الجديد في علاقات البلدين. في هذا كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري صادقاً عندما قال إنه لو حصل حادث كهذا قبل ثلاث أو أربع سنوات، لكانت النتيجة مختلفة تماماً. لكن، ما الذي تغير خلال هذه السنوات؟
أهم ما تغير أن إيران لم تعد تجرؤ على ارتكاب الاستفزازات التي كانت تقوم بها في السابق حيال الولايات المتحدة والغرب عموماً. اقتنعت طهران بأن مواجهة كهذه ستكون بالغة الكلفة عليها، وقد تنتهي إلى تدمير النظام بكامله فوق أصحابه الملالي. هذه القناعة هي التي ساهمت في إسكات الفريق الذي كان رافضاً للتفاوض مع الغرب، بعد أن اتخذ خامنئي قراره بأن يشكل مظلة للفريق المفاوض، متجاوزاً «الخطوط الحمر» السابقة، التي كان قد وضعها هو شخصياً، ومنها تحريم التفاوض مع «الشيطان الأكبر» أو عقد اتفاقات معه.
وأهم ما تغير أيضاً، بل ما لم يتغير، هو أن إيران لا تزال كما كانت في علاقاتها مع جيرانها العرب، ففي الوقت الذي تسعى إلى تحسين صورتها في الغرب، تزداد عزلة في محيطها. سفاراتها في عواصم المنطقة تُغلق، ومستوى تمثيلها ينخفض، والاتهامات بتدخلها في شؤون جيرانها تتزايد. وكل ذلك تحت نظر الغرب، وأحياناً كثيرة في حمايته. ولم يكن من قبيل الصدف أن يدشن قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري عهد الانفتاح الجديد على الغرب بإعلانه الأخير أن إيران تدرب 200 ألف مقاتل في خمس دول تحيط بها، هي سورية والعراق واليمن وباكستان وأفغانستان! ولسبب ما، نسي الجنرال جعفري «حزب الله» في لبنان، ربما لأنه يعتبر أن عناصر هذا الحزب اكتمل تدريبهم وما عادوا بحاجة إلى رعاية «الحرس الثوري»!
فوائد إيران «الدولة» من الاتفاق مع الغرب، والتي تقدر ببلايين الدولارات، سوف تنتهي بتمويل إيران «الثورة» لعملياتها واعتداءاتها وتدخلها في شؤون المنطقة العربية. هل هذا ما قصده الوزير الظريف عندما قال أمس إن رفع العقوبات عن إيران هو «نهار جيد» للعالم؟!