العرب- هل بات واردا في ظلّ وجود مرشّحين معروفين ومعلنين انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان أم أن “حزب الله” يمتلك أهدافا تتجاوز بكثير رئيس الجمهورية الماروني وصولا إلى تحديد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء السنّي وتقليصها؟
كان يمكن لـ”حزب الله” الخروج بموقف مؤيّد لانتخاب النائب ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، خصوصا بعد تبنّي رئيس الهيئة التنفيذية لـ”القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ترشيح القائد السابق للجيش اللبناني لهذا الموقع.
هذا الاحتمال لا يزال واردا، لكنّ الثابت أن الحزب، الذي يشكل لواء في “الحرس الثوري” الإيراني والذي لديه نوّاب ووزراء في لبنان، لا يبدو مستعجلا على انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. هل كان اتفاق الدوحة في مايو 2008 الذي جاء بالعماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية المحاولة الناجحة الأخيرة كي لا يكون هناك فراغ رئاسي في لبنان؟ فمنذ مغادرة سليمان قصر بعبدا في الخامس والعشرين من مايو 2014، لا يزال القصر الرئاسي شاغرا.
ستكون الأسابيع القليلة المقبلة مهمّة. ستكشف ما إذا كان هدف “حزب الله” إيصال مرشّح يعجبه ويرضى به إلى الرئاسة، أم أنّ الهدف الحقيقي تغيير طبيعة النظام اللبناني بشكل نهائي وذلك عبر إيجاد موقع شيعي ثابت يستطيع من خلاله “حزب الله”، أي إيران، التحكّم بلبنان إلى ما لا نهاية؟
هذا الموقع المطلوب إيجاده، والذي لا يتحدّث عنه أحد علنا، هو موقع نائب لرئيس الجمهورية يشغله شيعي. يفترض من وجهة نظر الحزب أن يمتلك نائب رئيس الجمهورية صلاحيات محدّدة واضحة تعطيه حقّ ممارسة “الفيتو” على أي قرار ذي طابع وطني في أي مجال من المجالات السياسية. يكون ذلك بزيادة صلاحيات رئيس الجمهورية، أي زيادة صلاحيات نائب رئيس الجمهورية وتقليص صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، كما نصّ عليها اتفاق الطائف. في الواقع أن السلطة التنفيذية، بموجب الطائف، موجودة لدى مجلس الوزراء مجتمعا وليس لدى شخص رئيس مجلس الوزراء وحده.
هناك بكلام أوضح، رغبة إيرانية في وضع اليد على لبنان بشكل رسمي، أي عبر الدستور الذي صار مطلوبا تعديله قبل انتخاب رئيس للجمهورية. وذلك يكون عبر المؤتمر التأسيسي الذي سبق ودعا له، ثمّ تراجع عن الدعوة، السيّد حسن نصرالله الأمين العام للحزب.
|
من هذا المنطلق، يصحّ التساؤل ما إذا كان ميشال عون، على الرغم من أنّ المعروف عنه عدم الالتزام بأي اتفاق يعقده، أخطأ عندما قبل أن التظاهر بالقبول بالنقاط التي تلاها عليه سمير جعجع. من عادة عون، استنادا إلى تجارب الماضي الانقلاب على كلّ الاتفاقات التي يعقدها. الدليل على ذلك انقلابه، عندما كان قائدا للجيش، على كلّ الذين أوصلوه إلى موقع رئيس لحكومة مؤقتة في العام 1988. كانت مهمة تلك الحكومة شغل موقع رئيس الجمهورية والإعداد لانتخاب رئيس جديد خلفا للرئيس أمين الجميّل الذي انتهت ولايته وقتذاك. عمل ميشال عون كلّ شيء من قصر بعبدا باستثناء تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية.
صار يريد المنصب لنفسه. وكان سمير جعجع من بين أوّل الذين انقلب عليهم ودخل معهم في حروب لم تنته إلا في أكتوبر 1990 عندما خرج ميشال عون بالقوّة من قصر بعبدا، ولجأ إلى السفارة الفرنسية وانتقل منها إلى المنفى. لم يعده من المنفى سوى استشهاد رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من فبراير 2005.
في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده ميشال عون مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” قبل أيّام، كان هناك طي لصفحة من الخلافات المسيحية – المسيحية استمرّت ما يزيد على ربع قرن. كان مفيدا الانتهاء من هذه الخلافات التي لا تفيد أحدا في لبنان.لكنّ الملفت أن عون استمع إلى جعجع يتلو عليه برنامجه الانتخابي، بما في ذلك التزام وثيقة الوفاق الوطني التي تضمنها اتفاق الطائف الذي بات مرفوضا من “حزب الله”، نظرا إلى أنّه يقوم على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وليس على المثالثة بين المسيحيين والشيعة والسنّة.
سيتبيّن قريبا هل يسعى “حزب الله” إلى انتخاب رئيس للجمهورية موال له ومتحالف معه، كما الحال مع ميشال عون، أم أن ما يهمّه حقيقة هو تعديل النظام المعمول به في البلد منذ التوصل إلى اتفاق الطائف في خريف العام 1989. كان سمير جعجع على حقّ عندما قال في المؤتمر الصحفي، وإلى جانبه ميشال عون، إن الكرة صارت في ملعب “حزب الله” وإن الطريق باتت ممهّدة لانتخاب رئيس للجمهورية في غضون أيّام.
هناك بكلّ بساطة حسابات خاصة بـ”حزب الله”، أي بإيران، وأخرى خاصة بميشال عون. في الوقت الراهن تسيطر إيران على السياسة الخارجية للبنان، ذلك أن وزير الخارجية جبران باسيل، وهو متزوّج من ابنة ميشال عون، لا يفوّت فرصة لإظهار أنّه وزير للخارجية الإيرانية. لذلك، لا يبدو “حزب الله” مستعجلا على انتخاب رئيس للجمهورية. يعتقد أن الوقت يعمل لمصلحته وأنّ الأمور تسير في الاتجاه الذي يريده، خصوصا في ظلّ حال الاهتراء التي يعاني منها لبنان على كلّ صعيد.
يبقى سؤال أخير. ما الذي سيفعله ميشال عون في حال منعه “حزب الله” من تحقيق حلمه من منطلق أن المشروع الإيراني في لبنان يتجاوز الأشخاص إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير… أي إلى وضع اليد على البلد عن طريق المؤسسات الرسمية والدستور، وعن طريق قانون انتخابي جديد يلائم الحزب ولا يلائم خصومه ولا يلائم لبنان التعددي المتمسك بثقافة الحياة وكلّ ما تمثّله.
هل يكتشف ميشال عون يوما أنّه لم يكن سوى أداة في لعبة أكبر منه بكثير لم يفهم معناها ولا أبعادها؟ قد يكتشف ذلك، لكنّ المؤسف أنّه لن يستطيع أن يفعل شيئا، خصوصا أنّه سيكتشف إلى أي حد هو أسير “حزب الله” وإيران ورهينة في يدهما وأنّه لا يعدو كونه، مجرّد سياسي لبناني ضيق الأفق لا يعرف شيئا عن المنطقة، خصوصا عن السياسة الإيرانية فيها.
ألم يراهن “الجنرال” في الأعوام 1988 و1989 و1990 على صدّام حسين في الحرب التي خاضها مع حافظ الأسد الذي استطاع، بفضل هذه الحرب، الخاسرة سلفا، بلوغ قصر الرئاسة في بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية القريبة من القصر الرئاسي، وتحويل لبنان محميّة سورية طوال خمسة عشر عاما؟