واصلت أسعار النفط تراجعها الحاد منذ قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في تشرين الثاني/نوفمبر العام نفسه، عدم خفض إنتاجها، بضغط من السعودية ودول خليجية أخرى. وأدى هذا القرار إلى تواصل تدهور سعر النفط، من أكثر من 110 دولارات للبرميل، إلى مستوى يناهز ثلاثين دولارا حاليا. وضع يؤكد محللون اقتصاديون بأنه وحتى وإن تواصل فإنه سيجر الدول المنتجة للنفط إلى القبول بشروط السعودية وتوقيع اتفاق شامل في الغرض يحفظ للملكة مصالحها الاقتصادية.
ويؤكد محللون لوكالة الانباء الفرنسية أن قرار (اوبك) كان يهدف إلى الضغط على منتجي النفط العالي الكلفة، لا سيما النفط الصخري الأميركي، وإخراجهم من المنافسة في السوق العالمية، والضغط أيضا على دول أخرى منتجة للنفط، أبرزها إيران الخصم الإقليمي اللدود للسعودية (وهي أيضا عضو في أوبك)، وروسيا، اكبر منتجي النفط عالميا. حيث الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي "الهدف الرئيسي للسعودية هو حماية حصتها من السوق (...) لا يمكن أن تسمح لمنتجي النفط العالي الكلفة المنافسة في أسواقها".
ورغم ما تكبدته السعودية من خسائر بسبب هذا القرار حيث خسرت الرياض ما يوازي 250 مليار دولار من الإيرادات المالية خلال اقل من عامين، ورغم تسجيل المملكة لعجز قياسي في ميزانية 2015 بلغ 98 مليار دولار، إلا ان المحللين يقولون بان السعودية لن تخفض الإنتاج دون اتفاق شامل.
وهو ما يؤكده خبير النفط في جامعة جورجتاون الأميركية جان فرنسوا سيزنك لوكالة الانباء الفرنسية حيث يقول "السعوديون يدركون جيدا إن خفضهم للإنتاج لن يؤثر كثيرا على الأسعار، لان الكمية المخفضة ستعوضها دول أخرى مثل إيران والعراق وروسيا". يضيف "السعوديون يريدون للمنتجين ان يعانوا بما يكفي للاتفاق على خفض شامل"، بمعنى التوصل لاتفاق بين دول اوبك والدول من خارجها على خفض متواز للإنتاج، بما يضمن احتفاظ كل طرف بحصته.
كما يؤكد مراقبون بان للسعودية قدرات تجعلها قادرة على كسب المعركة وعلى جر الدول المنتجة إلى اتفاق شامل يضمن مصالحها الاقتصادية ، حيث تتمتع السعودية ودول خليجية أخرى باحتياط نقدي ضخم يتيح التأقلم مع أسعار متدنية للنفط لفترات أطول قياسا مع دول أخرى.
وأعرب باتريك بويان، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الفرنسية "توتال"، عن اعتقاده ان السعوديين لن يخفضوا إنتاجهم قريبو انه يجب احترام وجهة النظر السعودية. واعتبرت شركة "جدوى للاستثمار"، أن السعودية هي البلد الوحيد ذو قدرة إنتاج احتياطية، ما يؤهلها "للوقوف في وجه أي محاولات لانتهاك حصتها في السوق العالمية".
.
كما يرى دبلوماسي غربي في الرياض رفض كشف اسمه، ان السياسة النفطية السعودية الراهنة هي إحدى أدوات مقاربة أكثر جسارة اعتمدتها المملكة في ملفات عدة منذ بدء عهد الملك سلمان بن عبد العزيز مطلع العام 2015، لا سيما السياسة الخارجية والنزاعات في الشرق الأوسط. ويتوقع محللون ان تؤتي هذه السياسة النفطية ثمارها في وقت قريب.ويقول سيزنك "اعتقد في وقت قريب سيكون ثمة اتفاق مع الدول المنتجة من خارج اوبك، والتي لا يمكنها أن تستمر في النزف إلى ما لا نهاية".