الرياض - أصبح التدخل العسكري في ليبيا قاب قوسين أو أدنى، فالبلد الذي شهد تدخلاً دولياً عسكرياً للإطاحة بمعمر القذافي أصبح مضرب مثل لسوء التدخل الأجنبي العسكري وعذراً حاضراً لدى الروس والصينيين بعدم التصويت لأي قرار ضد بشار الأسد.. هذا التدخل، الذي يمكن وصفه بالمهمة الناقصة لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، ترك ليبيا على مفترق طرق لتواجه حال ضياع كبير، وانفراطاً لمؤسساتها، وإرثاً لحاكم «نيروني» ديكتاتوري.
هدف التدخل العسكري في ليبيا هو تنظيم «داعش» المتسبب في عدد من العمليات والتهديدات الإرهابية في أوروبا، والذي تتم مهاجمته اليوم في سورية والعراق من قبل التحالف الدولي.. إرهاصات ذلك التدخل بدت واضحة اليوم أكثر من أي وقت، إذ يُنتظر أن يُناقَش هذا الأمر في اجتماع دولي يعقد غداً في روما وتشارك فيه المملكة.
إيطاليا ربما تُسند لها قيادة هذا التحالف الجديد، وألمانيا صرحت باحتمال إرسال جنود ألمان إلى ليبيا لدعم حكومة وحدة وطنية، وهي بالمناسبة كانت من الدول الرافضة للتدخل في ليبيا قبل سنوات، لكنها اليوم تريد تقديم مساعدة وعدم التهرب من مسؤولياتها -على حد قول وزيرة الدفاع أورسولا فون دير- إضافة إلى تلك الدول يبدو أن واشنطن أعدت خيارات التدخل العسكري في هذه البلاد التي راح ضحية انفلاتها السفير الأميركي في بنغازي كريستوفر ستيفنز، والذي أثار مقتله لغطاً كبيراً في دوائر صنع القرار الأميركي الذي يخشى ونظيره الأوروبي أن تتحول ليبيا إلى منصة ومركز لتصدير الإرهابيين إلى الضفة الشمالية للمتوسط وإلى جيرانها، وهذا ما يحدث فعلاً ، فالتحقيقات التي صاحبت الهجمات وضربت تونس ومصر قادت إلى أن منفذي تلك العمليات إما تدربوا أو مُوّلوا من المتطرفين في ليبيا؛ الذين هم في واقع الأمر على تواصل مباشر مع التنظيم في سورية والعراق.
في هذا الإطار يبرز جهد إقليمي قد تقوده مصر؛ التي هي في حقيقة الأمر معنية بشكل مباشر بتطورات هذا الملف، لذا رأينا القاهرة تبادر اليوم بإنشاء قوة شمال أفريقية بهدف محاربة «داعش» و»القاعدة» على حد سواء، وهي مبادرة قد تُطرح ضمن اجتماع روما لكسب الدعم، خصوصاً أننا أمام مشهد شمال أفريقي يمكن أن يقال إنه ملغّم بالجماعات الإرهابية، ف»القاعدة في المغرب الإسلامي» كانت تتخذ من الجزائر موقعاً لتحركاتها حتى خرجت نحو الصحراء الكبرى، وتونس لديها أكثر عدد من المقاتلين المنضوين تحت «داعش» في سورية والعراق، ومصر لديها أيضاً نشاط قديم للقاعدة في سيناء، وكلها بؤر يجب التعامل معها بشكل جاد، وعدم إعطائها فرصة للتمركز.. ولعل مساعدة الفرقاء الليبيين لتشكيل حكومتهم والضغط بهذا الاتجاه أمر رئيسي في هذا الملف الدقيق، وإن كان مسوغ التدخل العسكري الذي قاده «الناتو» في 2011 في ليبيا هو إنقاذ المدنيين من القذافي، فإن المسوغ ذاته اليوم يبدو متوافراً؛ بل أكثر إلحاحاً من ذي قبل، واستكمالاً لتلك الحملة الناقصة.