العرب - نجح النظام السوري خلال الأيام القليلة الماضية في تحقيق عدد من التغييرات الاستراتيجية بعد انتصاره في عدة مواقع كانت تحت سيطرة المعارضة السورية. وتأتي هذه المكاسب نتيجة للدعم الروسي الجوي والذي مكن النظام السوري من ذلك. إضافة إلى أن النظام السوري حقق نصرا سياسيا بعد انسحاب المعارضة من جنيف 3 والذي حضر بناء على ضمانات أميركية بوقف إطلاق النار، وهي ضمانات لم تستطع الثبات على أرض الواقع.
كثيرة هي تلك المرات التي ذكرنا فيها أن سياسة باراك أوباما في الشرق الأوسط كانت، وستظل، سببا كبيرا في خيبة الأمل والفشل المريع. وهو أمر لا يغيره شيء بل تثبته الحقائق على الأرض. إلى جانب ذلك تقف المملكة العربية السعودية موقفا يحاول تصحيح الأخطاء الأميركية وبشكل لا يتعارض مع سياستها العامة ولا مع أمنها القومي، حتى وإن استدعى الأمر اتخاذ خطوة عسكرية كتلك التي في اليمن. وقد رأى بعض الخبراء أن الرياض ستقوم بعدة خطوات للحيلولة دون التأثير عليها، ومنها “وضع مسافة بينها وبين الاستراتيجية الأميركية حين تكون ضد مصالح السعودية، ودعم الحلفاء الخارجيين بشكل مستمر”، إلا أنها ستعمل على الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وستحاول ألا تتأثر تلك العلاقة.
نحن لن نتحدث عن الماضي، ولن نقول لو أن بعض الدول الإسلامية والعربية لم تقف ضد الجيش السوري الحر الذي تدعمه السعودية لما وصلت سوريا إلى هذا الحد. ولن نقول إن الواجب كان يحتم على تلكم الدولتين أن تراعيا الواقع العالمي ورفضه للتنظيمات الإرهابية وبالتالي عدم دعم “داعش” بشراء النفط منه، أو جبهة النصرة بتزويدها بالسلاح. وإن كانت إحدى تلك الدول قد ساهمت في تقوية “داعش” بصفتها صنيعة إيرانية لم توجه رصاصة واحدة ضد بشار ونظامه منذ بدء الحرب في سوريا وحتى قررت إيران ودول التحالف الخلاص منها.
إلا أن تلك المساهمة قد أدت إلى إضعاف الجيش السوري الحر وزراعة الخلل في خططه واستراتيجياته فقد أصبح بين نارين، نار الدواعش من الخلف ونار الأسد من الأمام. الآن أمام القصف الروسي له وللتنظيمات الإسلامية السورية، وفي حالات نادرة ضد الدواعش، فقط إذا أرادت تركيع طهران والتأثير عليها في سوريا، بدأت المعارضة السورية تخسر مواقعها بشكل ملفت للنظر فقد ربحت قوات الأسد بالدعم الروسي ما لم تستطع كسبه طيلة أربع سنوات كاملة من الحرب التي يدعمها فيها حزب الله والحرس الثوري الإيراني والميليشيات العراقية.
أمام تلك الانتصارات لا نتوقع من نظام الأسد أن يقبل بغير الحل العسكري، كما نتوقع أن يختفي التنظيم الداعشي وأن ينتقل إلى ليبيا كساحة عمل أخرى، وكنت قد أشرت إلى ذلك قبل عدة أشهر، بعد أن أدى دوره في العراق وسوريا. وأمام ذلك سنسمع كما سمعنا وقرأنا اليومين الماضيين عن تدخل سعودي في سوريا، وسنقرأ الكثير من التحليلات والتهديدات حول ذلك التدخل الذي سيكون ضمن التحالف الدولي المكون من 65 دولة بقيادة أميركية. وهذا التدخل، إن حدث، فهو يستهدف تنظيم “داعش”، أو على أقل تقدير قيادات التنظيم وأماكن تواجدهم.
وهذا معناه مواجهة صانع التنظيم سواء أراد التحالف ذلك أم لم يرد، إذ أن الشرط السعودي بالدور الرئيس لن ينزل عن هذا المستوى، الذي قد يتعارض مع موقف القيادة الأميركية. ورغم أن بعض التحليلات، على سطحيتها، تشير إلى أن الإعلان السعودي جاء ردا على اتهامها بمساندة الإرهاب من قبل البعض في واشنطن. أود التأكيد على أن السعودية تعرف تماما كيفية نشأة “داعش”، وكيف أنه تم بعد إطلاق سراح عدد كبير جدا من السجناء في العراق وسوريا، ثم ما تبع ذلك من احتلال عجيب للموصل بواسطة عدة مئات فقط في مواجهة نحو الأربعين ألفا من قوات نوري المالكي.
كما تعرف السعودية كيفية التخطيط لانتهاء دوره في سوريا والعراق، وما حدث من انتفاض مفاجئ لمحاربة “داعش” بواسطة ميليشيات الحشد الشعبي والانتصار عليه أينما تمت المواجهة. وكذلك تعلم خطره وتعلم أنه لابد من القضاء عليه. إلا أنني لا أرى ضمانا للموقف الأميركي الذي اتصف بالتذبذب في سوريا منذ بداية الأحداث وحتى الساعة، إضافة إلى أنه ليست هناك حدود برية مع سوريا تمنح القوات السعودية “الخاصة” العمق الاستراتيجي الذي تحتاجه في الحرب، مما يعني أن عملية التدخل في سوريا عسكريا هي عملية تتطلب الكثير من الحرص والكثير من الشروط التي يجب بحثها والاتفاق حولها مع الولايات المتحدة والدول الحليفة المؤثرة في القرار وصناعته، وأن مثل هذا التدخل لن يكون بالأمر السهل الميسر في ضوء ما يدور من أحداث على الساحة السورية.
أما ما يتعلق بالتصريحات السعودية الصادرة من وزير الخارجية السعودي والعميد أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي حول التدخل السعودي في سوريا، فهي واضحة جدا. السعودية لا مانع لديها من التدخل البري ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” فقط في حالة تقرير التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة هذا النوع من العمليات، والذي جاء من واشنطن أساسا حسب تصريح عادل الجبير للشرق الأوسط السعودية.وهذا التدخل سيكون ضمن فريق دولي لمحاربة الإرهاب. وهو ما يعني الحاجة إلى ضمانات دولية ودعم دولي لمثل هذا الأمر. إضافة إلى الحاجة الماسة إلى عدم الاحتكاك مع روسيا الجوية، وهو ما لن يحدث نتيجة للموقف الروسي الداعم لنظام الأسد، وبالتالي لا أتوقع لمثل هذا التدخل أن يوجد.
العميد عسيري ذكر في تصريحه الأخير أن التدخل يعتمد على حجم الضرر الذي يلحق السعودية من تنظيم “داعش”، وأن هذا التدخل لن يخرج عن محاربة التنظيم، وهو تصريح لا يتجاوز تصريحات سابقة لوزير الخارجية السعودي بأن السعودية ودولا خليجية أخرى تبحث إرسال قوات “خاصة” في إطار التحالف الدولي، كما أعاده أخيرا للتأكيد على نوع القوات وكيفية ذلك التدخل، إن حدث. أنا أرى أ ن هذه التصريحات أتت لتوضيح موقف المملكة من اقتراح المشاركة الأميركي، وأن هذه المشاركة البرية مشروطة ومحددة بمهمة واحدة فقط، وأن تكرار التصريحات تأكيد لذلك.