الاتحاد - الإرهاب معروف، وأهدافه مكشوفة، ووسائله وطرقه واضحة، ولم يعد لديه جديد ليقدمه سوى التفنن في قتل البشر وتدمير الإنسانية والقضاء على البشرية، والتنافس المحتدم بين تنظيمات الإرهاب في ذلك، من «الإخوان المسلمين» إلى إيران، ومن «القاعدة» إلى «داعش». تفجيران تمّا الأسبوع الماضي، أحدهما استهدف مسجد الرضا في الأحساء بالمملكة العربية السعودية، والآخر استهدف مقر الرئيس اليمني الشرعي عبدربه منصور هادي في عدن، أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الثاني ولم يفعل عن الأول حتى الآن.
ثمة أمر ما خلط الحسابات هذه المرة، وهو أن السعودية بكل تاريخها المنتصر على الإرهاب، كانت على الموعد هذه المرة، فكان رجال الأمن نصف ضحايا التفجير، اثنان من أربعة، وتقلص عدد الشهداء وعدد المصابين عن الحالات السابقة، ما يثبت تطوراً أمنياً مهماً في مواجهة تكتيكات إرهابية مستحدثة، فبدلاً من دخول الانتحاري بغرض التفجير كانت هذه المجموعة الإرهابية تحمل أحزمة ناسفة للانتحاريين كما جرى من قبل في عمليات مشابهة، ولكنها تحمل كذلك أسلحة رشاشة بغرض إيقاع أعداد أكبر من الضحايا، ولكن الأمن اليقظ وتكاتف المواطنين الأبطال قلّص الخسائر إلى أقل حدٍ ممكن.
|
|
تحتوي هذه الجريمة الإرهابية كغيرها، على محرض، ومجيش، ومجنّد، وداعم مالي أو معنوي، ومنفذ، ثم مسوق وناشر ومبرر، وهؤلاء في الجريمة سواء، يجب ملاحقة من قام بالتحريض ومن قام بالتجييش ومن قام بالتجنيد ومن قدم الدعم، وأن يلاحق كل مسوقٍ وناشرٍ ومبررٍ، وأن يحال الجميع للقضاء بنفس التهمة مع التركيز على السابقين للمنفذ لأنهم أساس البلاء والمصنع الذي ينتج والمكنة التي تخلق. الجديد اليوم أنه في تفجير مسجد الرضا بالأحساء تم القبض على انتحاري حي، يمكن أن يكون شاهداً مفيداً في العديد من تفاصيل هذه العمليات الانتحارية المجرمة والإرهابية، وعلى المحرضين عليها والمجيشين باتجاهها ومن قام بتجنيده؟ وما هي الوسيلة التي استخدمها؟ ومن قام بدعمه والسبيل الذي استلم فيه الدعم؟ ومن درّبه؟ ومن أهّله؟ ومن خطط له؟ وكيف استطاع الوصول للحظة التنفيذ؟
وعلى الرغم من حمأة اللحظة وقسوتها فلا يجب أن نغفل إرهابياً آخر أو مشروع إرهابي مقبل، وهو شخص قال في تلك اللحظة، صوروا الإرهابي حتى لا يغيروه! هذا الشخص خاضع بشكل كامل للدعاية الإيرانية المعادية، وهو إن لم ينخرط فيها بوعي بعد، فإنها تتملكه دون وعي، ويجب التعامل معه بما هو جدير به لإنقاذه قبل أن يذهب لما هو أبعد. إن المواطنين الأبطال الذين قاموا بدورهم لا كمواطنين بل كرجال أمنٍ في القبض على أحد الجناة يستحقون كل تقدير وإجلال، لأنهم مثلوا كلمة الراحل الكبير الأمير نايف حيث كان يردد دائماً: المواطن هو رجل الأمن الأول، وهم استمرار لما فعله من قبلهم وعلى سبيل المثال ما جرى في تفجير مسجد الحسين في حي العنود بالدمام، حيث افتدى شاب بطل جميع المواطنين بدمه وحياته لكي يدفع الإرهابيين بعيداً عن مقصدهم.
إن كل مواطنٍ سعودي مهما كانت طائفته أو مذهبه أو ثقافته أو توجهه هو أغلى آلاف المرات من كل الإرهابيين وتنظيماتهم وداعميهم، من الدول والطوائف والمذاهب والتوجهات، و«الدولة ستبقى دولةً» كما قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، والإرهاب سيتم التعامل معه وفق أحكام القانون والقضاء، والشاهد ماثلٌ للعيان بعد قرار الدولة الحازم والحاسم في إعدام 47 إرهابياً من شتى التوجهات والفئات. استعجال الإعلان عن المسؤولية في اليمن والتأخر في السعودية يشير لديناميكية إرهابية إجرامية لهذا التنظيم ومنافسيه إن في التخطيط أو التنفيذ أو توظيف الإعلام، يتمّ كله بسرعةٍ وتناغمٍ، وهو ما يمكن أن تكشف عنه نتائج التحقيقات.
قدّمت السعودية نموذجاً رائعاً في الحرب على الإرهاب ومحاصرته والقضاء عليه، ولكنها لا تستطيع أن تحارب الإرهاب في كل العالم وحدها، فوجود مناطق مضطربةٍ وبيئةٍ مناسبة لنمو وتكاثر الإرهاب هو جزء من مسؤولية العالم أجمع، وحين تقصّر الدول وبالذات الكبرى منها في محاربة الإرهاب بشكلٍ جديٍ تتخلق في الفراغات السياسية أفضل البيئات الحاضنة للإرهابيين وتنظيماتهم، وما «داعش» إلا مثال صارخ في هذا السياق.أخيراً، فإن السكوت عن الإرهاب ليس خياراً، ومواجهته بحزمٍ وعزمٍ هي الحل، وحين أعلنت الداخلية السعودية اسم الإرهابي اتضح أنه من تيار «فكّوا العاني» الذي يعتبر السجناء الإرهابيين أصحاب رأي.