|
الاتحاد - ظلت جماعة «الإخوان» منذ تأسيسها عقبة رئيسية أمام تقدم مصر وتحديثها وتطور الديمقراطية فيها. وكان تأسيسها عام 1928 أحد العوامل التي أدت إلى إخفاق جهود التحديث السياسي والثقافي في المرحلة شبه الليبرالية التي بدأت مقدماتها في منتصف القرن التاسع عشر. وكان الصدام الذي أثارته وأدى إلى قرار حلها عام 1948، بعد توسع جناحها المسلح حينئذ في أعمال العنف، إحدى علامات قرب انتهاء تلك المرحلة التي بدأت مبشرة وواعدة ببناء مجتمع حديث ومتقدم.
ورغم أن قيادة ثورة 1952 فتحت أمامها أبواباً واسعة عندما استثنتها من قرار حل الأحزاب السياسية الصادر في مطلع 1953، فقد أدى إصرار مكتب إرشادها على فرض نفسه كمرجعية للسلطة الجديدة إلى صدام ثان تصاعد عام 1954 وساهم في تبديد فرصة التطور الديمقراطي في تلك المرحلة.
|
|
وعندما قرر الرئيس الراحل أنور السادات إعطاء جماعة «الإخوان» فرصة جديدة، بدا لكثيرين أنها ربما تستوعب دروس الصدامين السابقين مع الدولة. ورغم عدم حصول تنظيم «الإخوان» على مشروعية قانونية، ودخوله في مناوشات من وقت لآخر مع سلطة الدولة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فقد حافظ الطرفان على صيغة تسمح لهذا التنظيم بالعمل في المجتمع بلا حدود، وفي السياسة تحت سقف معين.
ولم تظهر أخطار هذه الصيغة إلا عندما أدت ثورة 25 يناير إلى تنحي مبارك، فأصبح تنظيم «الإخوان» هو الأكبر بعد أن أُتيح له التغلغل في المجتمع. فقد تمكن في إطار الصيغة التي سمحت له بالعمل في المجتمع من تأسيس 1166 جمعية اجتماعية خيرية وتعليمية وصحية وغيرها، و112 مجموعة مدارس في محافظات عدة، فضلاً عن 62 شركة، وفق ما أعلنه رئيس لجنة حصر أموال «الإخوان» في مؤتمر صحفي عقده في 24 يناير الماضي.
وعندما تُتاح لأي تنظيم أو حزب مثل هذه الفرصة، يكون أمامه خياران، فإما أن يستثمرها في التعاون مع مختلف الأطراف لحل الأزمات التي تواجه البلاد ووضعها على طريق التقدم، وهو ما يحدث في الأغلب الأعم، أو السعي للهيمنة وفرض «أجندة» معينة كما فعل «الإخوان».
لذلك كان التغيير الذي حدث في مصر عام 2011 اختباراً أخيراً لجماعة «الإخوان». وقد اختارت قيادتها الطريق الثاني الذي يعبر عن وجهها الحقيقي، رغم أنها بدأت بإظهار وجه آخر في الشهور التالية لتنحي مبارك. ففي البداية أرادت طمأنة الدول الغربية لإزالة أي تحفظ دولي على وصولها إلى السلطة. لذلك بدأت بإعلان مواقف قوبلت بترحيب من معظم الأطراف الداخلية، وفي مقدمتها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يدير شؤون البلاد، وخاصة حين تعهدت بعدم تقديم مرشح في الانتخابات الرئاسية.
غير أن هذا التوجه سرعان ما تراجع عندما ضمنت قبولاً غربياً، فحنثت بتعهدها بشأن الانتخابات، بل سعت للهيمنة الكاملة على السلطة و«أخونة» الدولة عندما اقتنصت رئاسة الجمهورية، ودخلت في مواجهة شاملة مع مختلف القوى السياسية وبعض مؤسسات الدولة. وعندما ثار الشعب عليها في 30 يونيو 2013، لم تستوعب الدرس وصممت على الدخول في صدام عنيف على مدى أكثر من 30 شهراً حتى الآن.
وهكذا يتواصل فشل تنظيم «الإخوان» في مختلف الجوانب. فبعد فشله في الهيمنة على الدولة و«أخونتها»، أخفقت قيادته في إدارة الصدام الذي اختارته وصارت هزيمتها واضحة تتجلى في كل مناسبة، وآخرها ذكرى ثورة 25 يناير قبل أيام. كما عجزت عن المحافظة على وحدة التنظيم الذي تتنازعه الآن قيادتان تكيل كل منهما الاتهامات للأخرى، وتحولت مجموعات منه إلى العنف وممارسة إرهاب يبدو فشلها في تحقيق الهدف منه مرجحاً بل أكيداً.
وهكذا دخلت جماعة «الإخوان» في نفق جديد يصعب خروجها منه في المدى المنظور لأسباب عدة أهمها ثلاثة: أولها خسارة الشبكة الاجتماعية الواسعة التي بنتها على مدى ثلاثة عقود. وثانيها حدة الصراع الداخلي الذي بلغ حداً تتعذر تسويته. أما السبب الثالث فهو استمرار المتصارعين في الجماعة في إنكار الواقع. فهم لا يتفقون الآن إلا على رفض مراجعة التوجهات السياسية الفقهية المتطرفة والبنية التنظيمية المغلقة التي لا تُنتج إلا الفشل والعنف والإرهاب.