العرب - أنا هنا لا أتحدث باسم أي جهة حكومية كما لا أتحدث إلا عن وجهة نظري الشخصية التي أعتقد بصحتها لا أكثر من ذلك. ولذا أقولها وبكل وضوح وصراحة إنه من المعيب حقا ما فعله رئيس الوزراء التركي في الحرم المكي الشريف من انتهاك لقدسية المكان وتسييس للشعيرة الدينية.
انتشر في اليومين الماضيين مقطع فيديو لرئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو، الذي لم يكن يرتدي لباس الإحرام كما هو متوقع منه، وهو يقوم بتحية المعتمرين ثم يفاجأ المشاهدون بأصوات المعتمرين الأتراك وهم ينشدون بلغتهم ويردون تحية رئيسهم. المثير للدهشة هو تواجد أوغلو في ساحة الحرم الشريف دون أن يكون في حالة عمرة، ثم قيامه بتحية الجمهور دونما أي داع لذلك.
السؤال هنا هو كيف عرف داوود أوغلو أن هؤلاء أتراك؟ ثم هل كان يعرف مسبقا أنه سيصادف هؤلاء الأتراك في هذا المكان بالذات؟ أم أنه أراد أن يوجه تحيته للمعتمرين دون أي اعتبار لجنسياتهم وفوجئ بتلك المجموعة التركية؟ أم أن هذا كله لم يحدث ولم تلعب الصدفة أي دور في هذا الخصوص. مما يعني أن السفارة التركية قد قامت بترتيب كل ذلك. هذا ليس بالمستغرب وليس بالأمر البعيد عن الحدوث وهو الأقرب منطقيا لتسلسل الأحداث وحجمها. إضافة إلى أننا نعلم، يقينا، أن من ذهب لأداء الحج أو العمرة أو الزيارة هو ليس في حال يلتفت فيه إلى هؤلاء وأمثالهم لأن من قصد البيت العتيق لا يقدس إلا هو، ولا قدسية لسواه. طبعا هذا باستثناء الإخوان المسلمين وأتباع الصفويين فأولئك لهم قدسية تختلف عن الآخرين.
الأمر المعروف سلفا هو أن زيارة أي مسؤول للحرم المكي تقع ضمن برنامج معين ومحدد. هذا لا يعني أن ذلك المقطع ضمن برنامج رئيس الوزراء بل يعني ببساطة شديدة أنه كان مفاجأة كاملة وغير محسوبة أو متوقعة على الإطلاق ولذلك حدث وتم. وهنا لا أملك برنامج الرئيس الضيف وبالتالي لا يمكنني الحكم على احتمالية حدوث مثل هذا الأمر بمعرفة أو تأييد من الحكومة السعودية، وهو أمر مستحيل الحدوث. كما لا يمكنني القول إن الحدث أخذ مكانه بالصدفة ويمكن اعتباره من الحوادث العادية غير المثيرة، لأنه لا مكان للصدفة فيها أولا، ثم إنها الأولى التي تتم في تاريخ الحرم المكي الشريف. إنما لماذا تحدث تلك الحركة؟
أيضا، من المعروف أن حكام السعودية هم أكثر الناس قدرة على فعل أكثر مما فعله داوود أوغلو. ولكنهم لم يفعلوا طيلة مئة عام، فقد كان، ولا يزال، ملوك الأسرة الحاكمة وأولياء العهد يدخلون الحرم المكي وهم يعلمون أنهم بين يدي الله سبحانه وتعالى وأنهم والمعتمرين على حدٍ سواء. بل على العكس فهم يحدثون من يحدثهم ويصافحون من يصافحهم ويتوجهون بالدعاء لله الواحد الأحد الفرد الصمد خالقهم وخالق غيرهم من البشر، عبيدا أوفياء له سبحانه وتعالى. إذن لم يفعل أي من أفراد الأسرة السعودية الحاكمة ما فعله داوود أوغلو رغم اقترابهم الشديد من المعتمرين، ورغم أنهم من يحافظ على الحرمين الشريفين ويرعاهما ويطورهما ويسهل للمعتمرين والزوار أداء مناسكهم، ورغم تقدير ومحبة المعتمرين والزوار لهم. ولو أن أحدهم فعل ذلك لحظي بأضعاف ما حظي به داوود أوغلو ومن أشار عليه بتلك السخافة.
المذهل في الأمر بل والذي يؤكد مسألة الترتيب لذلك هو خروج اللافتات والصافرات في ساحة الكعبة. لافتات مكتوب عليها بسم الله، الله أكبر، وغير ذلك وكأنه في لقاءات الشرفة التركية عقب الانتخابات، والتي تعود على القيام بها. إنما لماذا تحدث تلك الحركة؟ ببساطة نحن أمام صورة لشخص يعتقد أنه يمثل الحكم العثماني البائد، أو لعله يريد تذكيرنا بذلك بانتهاكه لقدسية الحرم الشريف وجعله المعتمرين ينشغلون به وبأتباعه الأتراك من حاملي اللافتات عن العبادة وعن استكمال شعيرتهم.
هذا للأسف الشديد جزء من العملية الإخوانية التي تعودت تلك الجماعات على القيام بها في ضوء وجود تغطية إعلامية من قنوات مشبوهة كالجزيرة الفضائية القطرية التي بثت الخبر وأكدت تلقي داوود أوغلو لتحية خاصة. وكأنها تريد القول إن المعتمرين توقفوا عن أداء المناسك لتحية قائدهم داوود أوغلو، بينما الحقيقة أن الجالية التركية هي من قامت بالتصفير ورفع اللافتات لتحية قائدها.
هذا السلوك السياسي في وسط شعيرة دينية هو نسخة من السلوك الذي تمارسه إيران عند أي مناسبة دينية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ ما الفرق بين الحكومة التركية بوصفها من الإخوان المسلمين وما قام به داوود أوغلو، وبين الحكومة الصفوية في طهران؟ شخصياً لا أجد فروقات كبيرة، بل على العكس فأنا أعتقد أن التشابه في الكثير من المسارات كبير جدا، ونحن لا نحتاج أكثر من قراءة واعية وهادئة لتاريخ النظام الحاكم في تركيا، وعلاقته بذلك النظام القائم في طهران.
قد تدور في كواليس السياسة هذه الأيام محاولات سعودية لرأب الصدع بين مصر وتركيا، وقد تكون الحكومة السعودية قد وصلت إلى نقاط لا تقبل أنصاف الحلول، وقد تكون تركيا قد رضخت لطلب الحكومة المصرية بالاعتراف بها مقابل، فقط، رفع تمثيلها الدبلوماسي. قد يكون ذلك كله، فإن كان هذا ما حدث، فمعناه، ليس الرضوخ التركي فقط بل وسقوط الحلم الإخواني في العالم العربي. وهذا معناه، وبكل بساطة، أن يحدث مثل هذا التصرف الأخرق وغير المبرر على الإطلاق في ساحة الحرم الشريف، ثم نشره