الاتحاد - اتفق العلماء والمفكرون في الملتقى الأول للمفكرين العرب الذي عقد بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في أبوظبي، على أن معركة المجتمعات والدول الوطنية العربية مع جماعات الفكر المتطرف والتنظيمات المسيسة للدين، هي معركة من أجل كسب عقول ونفوس نجح الفكر المتطرف في الاستحواذ عليها وتجنيدها ضد مجتمعاتها ودولها الوطنية، عبر تحريف «المفاهيم الدينية» وتجريفها وتحويرها وتسييسها لخدمة أهداف هذه الجماعات والتنظيمات.
وقد تناولت ورقة سماحة مفتي لبنان هذه القضية المحورية، حينما شخّصت جذور ظاهرة التطرف داخل الإسلام والتي تحولت إلى عنف باسم الدين، وذكرت أن هناك تحويلات فكرية كبيرة جرت في التفكير بالإسلام، عبر أكثر من 6 عقود، وقد تأسست على أربعة مفاهيم كبرى: مفهوم الشرعية، مفهوم الشريعة، مفهوم الجهاد، ومفهوم الدولة. وتساءلت الورقة: ما معنى وما مدى ما ذكرناه من عمليات لتحويل المفاهيم، وظهور فقه جديد للدين؟ الشريعة هي الدين نفسه، وعندما يُقال: إنه يراد تطبيقها، فذلك يعني أنها غير مطبقة، ويعني أن الناس أوشكوا أو صاروا غير مسلمين، والشريعة إنما تشمل العقائد والعبادات وتنظيم المعاملات، والمسلمون جميعاً قائمون عليها وبها، فالقول بعدم تطبيقها هو التطرف بعينه، أما النظام السياسي فهو في الإسلام السُني، نظام اصطلاحي ومصلحي، تختاره الجماعة لإدارة شؤونها العامة، لكنه لدى هذه الجماعات تحول إلى ركن من أركان الدين.
وهكذا هناك تغيير يريد المتطرفون والمسيسون للدين فرضه علينا في الدين والشريعة، وفي العبادة، وفي الجهاد، وفي المجتمع والدولة، وقد ترتبت على هذا الفهم المتطرف والمسيس للدين انشقاقات داخل الإسلام، ويكاد المتطرفون بالعنف الهائل الذي اجترحوه ضد مجتمعاتنا وضد العالم أن يفجروا الدين نفسه.
وتنتهي الورقة إلى: أن أول ما ينبغي فعله التصدي بقوة لعمليات تحويل «المفاهيم الدينية» التي تريد تغيير الدين الذي نعرفه لصالح إحلال إيديولوجيات عنيفة وقاتلة محلها. كيف نتصدى لمعركة تحويل المفاهيم والمقولات الدينية؟
أولاً: تفكيك الخطاب الإيديولوجي المخاتل والذي تروجه هذه الجماعات على امتداد نصف قرن، وتدعي فيه أن مجتمعاتنا لا تحكم بالإسلام وأن الشريعة قد غابت عن ديار المسلمين، فهل -حقاً- غاب شرع الله تعالى عن دنيا المسلمين؟ إذا احتكمنا إلى واقع العالم الإسلامي فإن بيوت الله تعالى عامرة وأركان الإسلام من زكاة وصيام وحج مطبقة، وشرع الله تعالى لم يغب عن دنيا المسلمين منذ أن أنزله الله تعالى، أما الحدود فقائمة ومطبقة تبعاً لتوافر شروطها الشرعية، وهي تدرأ بالشبهات، وفي التعزيرات متسع.
ثانياً: إعادة الاعتبار لمفهوم «الجهاد» الذي تم تحريفه وتفجيره من قبل المتطرفين، لأن الإرهاب أساساً هو فهم ضال للجهاد، لقد شرع الجهاد لرفع الظلم ودفع العدوان وحماية الدين والأوطان بنص الآية الكريمة: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين». وما كان المولى تعالى يحب العدوان أو يأمر به أبداً، وهؤلاء الضالون يفجرون وينحرون ويفسدون باسم الجهاد.
ثالثاً: إعادة الاعتبار لمفهوم «الدولة الوطنية» وذلك بتفكيك أيديولوجيات قومية ودينية سياسية، دأبت على هجاء الدولة الوطنية باعتبارها ميراثاً استعمارياً، وصولاً إلى دولة الخلافة أو الدولة القومية، لقد كانت أيديولوجيات شكلت معول هدم للدولة الوطنية.
رابعاً: إخراج الدين من التسخير السياسي: وهذا يتطلب مراجعة نقدية واعية، من أجل توافق مجتمعي يضع «الدين» بمنأى عن صراعاتنا السياسية، فالدين للجميع -سلطة ومعارضة- ولا ينبغي لتنظيم سياسي احتكار الدين، لذلك علينا الاتفاق على «تحييد الدين» وإخراجه من ساحات الصراعات السياسية، والسلطة وإدارة الشأن العام، شأن بشري «أنتم أعلم بأمور دنياكم» وإن كان هذا الشأن لا يستغني عن هدي السماء، في منطلقاته وتنظيمه وأهدافه وقيمه ومقاصده العليا.