الاتحاد - وفّت دول رابطة جنوب شرق آسيا «آسيان» بوعدها بتوقيع اتفاقية إقامة منطقة للتجارة الحرة بحلول عام 2015 بدلاً من عام 2020، وذلك بتوقيع الاتفاقية من قبل عشر دول قبل نهاية العام الماضي بقليل، حيث يتوقع لهذه البلدان، والتي تضم 530 مليون نسمة، في الوقت الذي لا تشكل صادراتها أكثر من 6% من صادرات العالم أن تكثف من الجهود للمضي قدماً نحو إقامة تجمع اقتصادي آسيوي إلى جانب الاقتصادات الآسيوية الكبيرة الأخرى، كالصين والهند واليابان، وعلى غرار الاتحاد الأوروبي الذي تحول إلى نموذج للوحدة الاقتصادية رغم الصعوبات التي يمر بها.
ما يميز التكتل الاقتصادي الجديد هو التنوع، فماليزيا وإندونيسيا تحولتا إلى مراكز صناعية مهمة في المنطقة. أما تايلاند، فإنه إلى جانب قدراتها الصناعية، فإنها مركز للسياحة الدولية، في حين تعتبر سنغافورة أحد أهم المراكز التجارية والمالية في العالم، إضافة إلى أن التجمع يضم دول مهمة لإنتاج النفط، كبروناي والفلبين التي يمكن أن توفر أيدي عاملة رخيصة.
ربما لا يوجد من بين التكتلات الاقتصادية العالمية مثل هذا التنوع، والذي يمكن أن يشكل تحدياً للقوى الاقتصادية الكبرى في منطقة آسيا والباسيفيك، مما حدا باليابان إلى تقديم مقترح آخر بإقامة تجمع اقتصادي يضم ست عشرة دولة سمي «بمبادرة نيكاي»، بدلاً من عشر دول، بإضافة الصين والهند وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، إلا أن دول «الآسيان» لم ترحب كثيراً بمثل هذا المقترح، رغم سعي اليابان ومحاولاتها المستمرة لإقناع «الآسيان» بجدوى مقترحها.
مبررات اليابان في هذا الصدد تملك أيضاً مصداقية كبيرة، فالتكتل الذي تدعو إليه سيكون الأكبر على مستوى العالم، حيث تضم الدول الست عشرة الواردة في المقترح الياباني نصف سكان العالم، إلا أن تجارتها لا تتجاوز 20% من التجارة العالمية، مما يعد خللاً يمكن إصلاحه من خلال إقامة مثل هذا التكتل الاقتصادي. المفارقة هنا أن البلدان الصغيرة في تجمع «الآسيان» لا تمانع في الأخذ بالمقترح الياباني، إلا أن البلدان الكبيرة، كماليزيا التي تعتبر قائدة للتجمع إلى جانب إندونيسيا تعارض المقترح الياباني على اعتبار أنه سيحد من ثقلها في التجمع المقترح، وبالأخص مع وجود دول كبيرة، كاليابان والصين والهند.
في كل الأحوال، فإننا أمام تطورات اقتصادية آسيوية، سواء بتجمع عشر أو ست عشرة دولة ستغير الكثير من موازين القوى التجارية في العالم، خصوصاً أنها تملك مقومات عديدة، من خلالها يمكن أن تستقطب استثمارات خارجية كبيرة تساهم في تنمية العديد من القطاعات الاقتصادية وتوفر الملايين من فرص العمل، إلا أن إضافة قدرات كل من اليابان والصين والهند إلى جانب التقنيات المتطورة لكل من أستراليا ونيوزيلندا سيقوي من هذا التكتل، وسيعزز كثيراً من مكانته في التجارة الدولية.
وبما أن المصالح ستحدد في نهاية المطاف شكل التجمع الآسيوي الجديد، فإن ماليزيا قد تقلل من مقاومتها للتجمع الأكبر من خلال إغراءات يابانية، حيث توجد الاستثمارات اليابانية بكثافة في ماليزيا، علماً بأن اليابان لا تريد أن ترى نفسها خارج تجمع منافس لها، ويملك تنوعاً فريداً من نوعه. من المفارقات العجيبة، أنه على الجانب الآخر من القارة الآسيوية، وبالأخص في المنطقة العربية تسود الحروب والانقسامات والتدمير الاقتصادي، وكأن ما يجري في العالم من تكتلات وتنمية اقتصادية لا يعني هذه البلدان التي دمرت نفسها ذاتياً بعد ما سمي بـ«الربيع العربي» المشؤوم، وبالأخص بعد أن أقحمت إيران أنفها في القضايا العربية، وتسببت في ضرر لاقتصادها والاقتصادات العربية على حد سواء، مما يتطلب إعادة النظر في هذا النهج، والاستفادة من تجربة «الآسيان»، التي تسير نحو التنمية والرخاء الاقتصادي، بدلاً من النزاعات والحروب التي لا جدوى منها.