أذربيجان دولة عصرية تنزع نحو الغرب أكثر من كونها دولة تحتل موقعاً إستراتيجياً وسط آسيا، وتطل على أغنى البحار بالنفط والغاز، وهو بحر قزوين ويشاركها هذه الميزة إيران وروسيا وكازاخستان وتركمانستان. لطالما كانت دول آسيا الوسطى غائبة عن أجندة الدول العربية، والمملكة خصوصاً، إذ أسهم في ذلك انتماؤها للمعسكر الشيوعي إبّان الحقبة السوفييتية، والتي انهارت مخلفة وراءها دولاً بإمكانات كبيرة، ولم يؤدِّ تداعي السوفييت إلى اندفاع سعودي نحو تلك المنطقة، التي يقطنها المسلمون.. وتحظى المملكة بتقدير كبير من سياسيي تلك الدول وشعوبها، وذلك بسبب الحروب التي تزامنت مع فترة «الانهيار» وأبرزها حرب تحرير الكويت، ثم تلا ذلك حرب العراق، وكان للتركة الاقتصادية المتردية التي خلّفها الاتحاد السوفييتي دور في جعل تلك الدول متأخرة عن مواكبة التطورات العالمية، إلا أن دولاً مثل كازاخستان وأذربيجان بدأتا نهضة اقتصادية واضحة من شأنها إفساح المجال واسعاً أمام الشركات الكبرى لاستغلال الثروات، التي تنعم بها تلك الدول، لاسيما أذربيجان الغنية بالنفط، مما سيسمح لها بتبادل الخبرات مع المملكة ودول الخليج في هذا المجال، كما أن لكازاخستان - الدولة الكبرى الغنية باليورانيوم - أن تكون أحد مزودي المملكة بهذا الخام النفيس. لقاء القمة السعودي - الأذري جاء في وقت مهم جداً تتطلع فيه المملكة نحو آسيا الوسطى بكثير من الاهتمام، فخلال العامين الماضيين سعت الرياض إلى استضافة المنتدى الاقتصادي لدول آسيا الوسطى وأذربيجان، كما كان اللقاء، الذي جمع الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله- بالرئيس القرغيزي المازبيك أتامبايف أواخر عام 2014، مثمراً وإشارة واضحة لما يبدو أنه التفات نحو هذه المنطقة، كونها أكثر المناطق قرباً ولا يفصلها عن مجالها الجغرافي سوى جمهورية إيران التي تقع جنوب هذه الدول الآسيوية، يلتقي ذلك الاهتمام مع توافق واضح وتطور مطرد، بين تلك الدول والصين، التي وضعت تلك المناطق كمنطلقٍ لها نحو الأسواق الأوروبية، وفي ذلك يمكن أن تسهم العلاقات السعودية - الصينية بإيجابية للعمل سوياً في تنمية تلك المناطق والاستفادة من مقدراتها على المدى الطويل. المملكة تنظر إلى آسيا الوسطى كمنطقة مصالح إستراتيجية، ومن شأن إيجاد حضور إيجابي اقتصادي وتنسيق سياسي أن يؤتي ثماره، بدءاً من تركيا غرباً وحتى الصين شرقاً، كل تلك الدول الواقعة في هذا المجال الجغرافي إضافة إلى أفغانستان سيمكّن المملكة من تنويع قدراتها الاقتصادية ويعزّز حضورها السياسي والتعاون الأمني، وسيجعلها أكثر تأثيراً وإلماماً بالقضايا التي تعيشها تلك الدول ذات الغالبية الإسلامية، خصوصاً في ظل تخوّف أن يؤدي انضمام مجموعات إرهابية في آسيا الوسطى إلى الجماعات الموجودة في سورية، وأن يرتد عليها وعلى نهضتها سلباً، لذا فإنها ترى أن التنسيق مع المملكة كقوة إقليمية على كل الأصعدة سيكون مطلباً حيوياً واستراتيجياً بالنسبة لها. * نقلا عن "الرياض"