الرياض - اللهجة الأميركية والاستعدادات الغربية تجاه ليبيا تأخذ منحنى تصاعدياً بشكل ينبئ عن قرب التدخل عسكرياً في هذا البلد الذي تتخطفه فوضى السلاح، ويتنازعه المسلحون بين مليشيات ومتطرفين وقوات تابعة للجيش الليبي.
في مطلع هذا الأسبوع شهدت ليبيا تحركاً أميركياً عسكرياً لافتاً، إذ أدت ضربة نوعية عسكرية أميركية إلى سقوط 49 إرهابياً كانوا يتدربون في هذا المعسكر القريب من الحدود التونسية، وكانت تونس قد شهدت أعمالاً إرهابية كان المتسبب فيها عناصر قادمة من ليبيا، لكن تونس حذرة؛ بل رافضة لتدخل عسكري غربي واسع في ليبيا خشية أن يؤدي ذلك إلى حركة نزوح كبيرة إلى الداخل التونسي؛ ما قد يشكل فرصة لتسلل عناصر إرهابية، وهو ما يزيد من الأعباء الأمنية التي تثقل كاهل تونس.
وتتخذ القاهرة الموقف ذاته من التدخل الغربي العسكري في ليبيا، والحدود بين الجانبين المصري والليبي تبلغ حوالي ألفي كيلو متر ما يصعّب من مهمة إحكام السيطرة عليها، وبالتالي فالهاجس الأمني في ذهن صانع القرار المصري حاضر بشكل مُلح؛ إذ ما علمنا أن هناك تنسيقاً بين "داعش" في سيناء وطرابلس.
من ضمن تلك التطورات التي تشهدها الساحة الليبية دحر المليشيات المتطرفة، ومن ضمنها "داعش"، من منطقة الليثي التي تسمى "قندهار بنغازي" على يد الجيش الليبي، وتلك العملية قد تكون ضمن فعاليات استعادة زمام الأمور في المدن الكبرى الليبية، لكن ذلك لم يمنع التنظيمات الإرهابية من السيطرة على وسط صبراتة.
أمام تلك التحديات الداخلية والإقليمية، يبدو أن واشنطن عازمة على التدخل دون النظر إلى تحفظّات تونس والقاهرة، فالرسائل الإعلامية التي مرّرها ستيف وارن المتحدث باسم التحالف الدولي أول من أمس في جلسة صحافية مغلقة، لفت فيها إلى هجرة قيادات "داعش" إلى ليبيا بعد أن تم تضييق الخناق عليها في سورية والعراق..
وهو أمر تراه الدول الأوروبية غاية في الخطورة، فالأمر يتعلق بإرهابيين يتجولون جنوب المتوسط في ظل غياب الدولة وتوفر السلاح والنفط، وهو ما دفع دولاً مثل ألمانيا كانت متحفظة على التدخل العسكري في ليبيا إبّان إسقاط القذافي أن تصبح اليوم في مقدمة الدول التي ترسل وفوداً ومدربين عسكريين إلى هذه البلاد، التي يشكل انفلاتها صداعاً للاتحاد الأوروبي.. فعلاوة على الإرهاب شكّلت ليبيا محطة انطلاق بارزة للمهاجرين إلى حيث الشواطئ الأوروبية، وهو ما تسعى أوروبا إلى تقليصه ومنعه، لكن في ظل زوال السلطة لا توجد جهة معتبرة يمكن الاعتماد عليها في هذه المهمة الصعبة.
في خضم ذلك جدير بالفرقاء من السياسيين الليبين إعلاء المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية أو الفئوية، فالوضع على الأراضي الليبية ينذر بتكرار سيناريو العراق وسورية إذا لم تتدارك الفعاليات السياسية والقبلية الوضع في البلاد وغلّبت المصلحة الوطنية على مصالحها.. فالتحديات صعبة وإنجاز المهمة يتطلب تعاوناً داخلياً لا يمكن لأي قوة مهما كانت ضاربة أن تنجزها.