العرب - عام 2012 اضطررت بعد خروجي من الاعتقال في سجون النظام السوري للتوجه إلى لبنان بغرض السفر إلى فرنسا، كوني لا أستطيع السفر من مطار دمشق الدولي، وكان بانتظاري على الجانب الآخر من الحدود اللبنانية أحد الأصدقاء والذي قام بنقلي بسيارته إلى مطار رفيق الحريري، ولم يخف طيلة الطريق إلى المطار خوفه من أن تقوم عناصر حزب الله بإيقافنا واعتقالي من جديد وإعادتي إلى سوريا، لأن لديها قوائم بالمطلوبين للنظام السوري، وعندما وصلنا إلى المطار ازداد خوفه، فالمطار خاضع بشكل شبه كلي لسيطرة عناصر حزب الله، وقد استخدم الصديق علاقاته الطيبة ببعض الأشخاص العاملين في المطار من أجل ضمان سفري بسلام، وهذا ما حدث.
اليوم بدأ سؤال في ما إذا كان لبنان دولة مستقلة يعود للطرح مجددا لا من قبل ساسة ومراقبين عرب، بل من قبل اللبنانيين أنفسهم، وهم الذين احتفلوا عام 2005 كل على طريقته بالتخلص من زمن الوصاية السوري الذي استمر قرابة ثلاثة عقود خسر لبنان خلالها استقلال قراره السياسي، كما خسر، اغتيالاً، عددا من سياسييه ومثقفيه الذين كانوا يسعون لمداواة جراح البلد الخارج من حرب أهلية مرهقة، لم تبتدئ القائمة برئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ولم تنته بالصحافيين جبران تويني وسمير قصير، إلا أن فرحة الاستقلال الثاني كما يسميه اللبنانيون لم تكتمل، لأن الوصاية والتدخل السوري في الشؤون اللبنانية لم يتوقفا يوما، واستمر حزب الله يمارس دوره الذي أوجد بسببه، وهو إخضاع الدولة اللبنانية للوصاية الإيرانية عابرة الحدود بحجة محاربة إسرائيل، وتحرير الأراضي المحتلة وصولا إلى بيت المقدس.
لكن هذا الوعد الأسطوري لم يتحقق منه شيء على أرض الواقع، فيما أصبح لبنان محتلا بشكل كامل من قبل إيران، وباتت المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله أشبه بالمستوطنات الإيرانية التي لا تستطيع الدولة اللبنانية إدارتها، أو ملاحقة المجرمين المطلوبين فيها، مثل الرباعي المتهم من قبل المحكمة الدولية الخاصة بالوقوف وراء اغتيال رفيق الحريري، بينما يقع عليها اللوم في حال تعرضت تلك المستوطنات لأي خلل كما حدث إبان التفجيرات التي ضربت بيروت الجنوبية في نوفمبر من العام الماضي.
وإذا كنت ومن خلال تجربة شخصية أستطيع أن أجزم أن لبنان دولة محتلة من قبل إيران، فإن هذه الحقيقة، التي باتت معروفة للجميع، كانت تؤرق العديد من الدول العربية، الخليجية منها على وجه الخصوص، والتي كانت قد رصدت زخما استثماريا لا يستهان به للبلد الخارج من أتون حرب أهلية، والذي يمثل قبلة سياحية عربية وعالمية، لعديد من الأسباب، لكنه وخلال السنوات الأخيرة فقد تلك الخصوصية وتحولت شوارعه إلى مصب للقمامة وتعطل قراره السياسي بشكل كامل، وباتت حكومته عاجزة عن تشكيل لجنة لحل مشكلة القمامة المتفاقمة، ناهيك عن إصدار بيان إدانة للعمل الهمجي الذي استهدف سفارة وقنصلية المملكة العربية السعودية في طهران ومشهد.
ورغم المحاولات التي بذلتها العديد من القوى السياسية، تيار المستقبل على وجه الخصوص، لإعادة حزب الله إلى الحارة اللبنانية من خلال عملية سياسية متوازنة، إلا أن إرادة الولي الفقيه كانت أقوى من أي انتماء أو ولاء وطني، وقد تبع حزب الله غريزته الطائفية وانقاد إلى المشروع الإيراني، ووضع لبنان في فوهة النار السورية المشتعلة من خلال تدخله إلى جانب قوات النظام، ومشاركته في قتل الشعب السوري، وصولاً إلى مساهمته في دعم ميليشيات الحوثي في اليمن، ومحاولته العبث بأمن مملكة البحرين ودولة الكويت.
وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد تنبهت لخطر حزب الله وصنفته منظمة إرهابية، ونبهت من خطره على المحيط العربي، إلا أن الخطوة السعودية الأخيرة بإلغاء المنحة التي كانت مقررة للنهوض بالجيش اللبناني ودعمه، يمكن النظر إليها على أنها خطوة متقدمة في اتجاه محاصرة آفة حزب الله التي تفتك بالجسد اللبناني ولا يمكن اعتبارها موجهة ضد لبنان أو شعبه، فما قدمته الرياض على مدى عقود للدولة اللبنانية أكبر من أن يتم نسيانه.
ولأن الحزب الذي يتصرف مثل عصابة خارجة على القانون قد لا يتورع عن الاستيلاء على أي أسلحة وتجهيزات قد يتم تسليمها للجيش اللبناني، وقد تلقت العديد من القوى اللبنانية رسالة الرياض واضحة غير مشفرة، بأن حزب الله خطر على لبنان وعروبته وقد أخذ حجما أكبر مما يستحقه ولا بد من تشكيل تحالف لبناني في وجهه من أجل إعادته إلى حجمه الطبيعي، وإلا سيجد لبنان نفسه يبحث عن أطلال عروبته كما تبحث الأحواز منذ عقود طويلة.