انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة (وكل مجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ)، موعدها أول ثلثاء في تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة المقبلة، مع ذلك فهي شغل الأميركيين الشاغل، وأهم قضية فيها خلال الأيام الماضية لم تكن الاقتصاد أو «داعش» أو أوكرانيا، بل تطعيم الأطفال ضد الحصبة. هل هذه قضية؟ حاكم نيوجيرسي كريس كريستي، واسمه مطروح للتنافس على الرئاسة، قال بعد زيارة مختبر للتطعيم إنه «يجب أن يكون هناك قدر من الاختيار» في التطعيم ضد الحصبة وأمراض أخرى للطفولة. والسناتور بول راند، وهو جمهوري «ليبرتاري» من كنتكي، قال في مقابلة تلفزيونية إن معظم التطعيم يجب أن يكون اختيارياً، وتحدث عن كوارث لحقت بأطفال صحتهم طبيعية جداً أصيبوا بأمراض عقلية بعد التطعيم. على الأقل، راند طبيب عيون ومن حقه أن يُبدي رأياً طبياً في التطعيم، إلا أن كريستي يعاني من سمنة زائدة ولا يعرف كيف يعالج نفسه، ثم يبدي رأياً طبياً مع أن شهرته الغالبة هي حبه الكماليات، وقد قرأت أنه سافر الى إسرائيل سنة 2012 مع أسرته ومساعديه، في طائرة خاصة قدّمها إليه البليونير شيلدون أولسون، وهو يهودي أميركي يملك كازينوات قمار في لاس فيغاس، ويؤيد إسرائيل تأييداً أعمى. وقد اتهمته «نيويورك تايمز» بأنه يترك الآخرين يدفعون فواتيره. تبقى هيلاري كلينتون المرشّحة الأفضل حظاً بين الديمقراطيين. ولا أعتقد أن كريس كريستي سيصل الى الرئاسة الأميركية، فحمله السياسي ثقيل كوزنه، إلا أن راند بول مرشّحي المفضل بين الجمهوريين، فهو يذكرني بأبيه النائب والطبيب أيضاً رون بول الذي عارض الحرب على العراق. لماذا أعود اليوم الى انتخابات الرئاسة الأميركية؟ هي على بعد عشرة آلاف كيلومتر من بلادنا، إلا أن لها تأثيراً مباشراً في الأحداث عندنا، ويكفي أن نقارن بين حكمة جورج بوش الأب وبيل كلينتون بعده، ثم حمق جورج بوش الإبن الذي أطلق حروباً أسبابها زوِّرَت عمداً وقتل ألوف المسلمين في بلادهم ظلماً. منذ كتبت عن حملة الرئاسة الأميركية آخر مرة في 24/12/2014، تغيّر الوضع كثيراً، فقد تراجعت حظوظ ناس مثل تيد كروز، السناتور من تكساس، ومارك روبيو، السناتور من فلوريدا، وارتفعت كثيراً أسهم جيب بوش مع أنه خارج أروقة الحكم منذ 2002 بعد أن كان حاكم فلوريدا، وله نشاط مالي ملحوظ مستمر. ما حدث هو أن ميت رومني، المرشّح السابق للرئاسة الأميركية، انسحب من الميدان مدركاً أن فرص انتزاعه ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة مرة أخرى محدودة جداً، واستفاد جيب بوش من انسحابه، فقد ورث عن أبيه وشقيقه شبكة سياسية واسعة تعرف كيف تكسب الأنصار عندما تبدأ الانتخابات التمهيدية في بعض الولايات لاختيار مرشح الحزب. لذلك، يمين الحزب الجمهوري يهاجمه ويصرّ على أن تقدمه في جمع المال تأييداً لحملته، لا يعني ضمان الفوز بترشيح الحزب له. جيب بوش أقرب الى والده من أخيه، فهو ذكي ناجح بعكس الأخ الذي كان كارثة على بلاده وعلينا. وقد سمعت جيب يتحدث في دافوس، وفي جلسات خاصة، وبدا لي أنه يعارض حروب أخيه، وله رأي مستقل في الأحداث. واليوم موقفه من الهجرة غير الشرعية الى الولايات المتحدة، يختلف عن رأي زعماء الحزب الآخرين. لو كان موعد انتخابات الرئاسة الأميركية غداً، لواجه جيب بوش هيلاري كلينتون، غير أن الانتخابات بعد 21 شهراً عندما ينسى الناخبون الأميركيون موضوع التطعيم ضد الحصبة، وقد يطرأ ما ليس بالحسبان. ما أقول بثقة إن أي فائز جمهوري سيكون أفضل من بوش الإبن، وإن أي فائز ديمقراطي لن يكون متردداً ضعيفاً مثل باراك أوباما. أفضّل راند بول، ولكن أرحّب بفوز كلينتون، لأن شيلدون أدلسون والأخوَيْن كوش يعارضون ترشيحها الى درجة إنفاق ملايين الدولارات ضدها. ثم أجد أن جيب بوش أفضل المرشّحين حظاً من الحزب الجمهوري. *نقلا عن الحياة