الرياض - قبل أسبوعين أجرى الرئيس فلاديمير بوتين اتصالين هاتفيين بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحسب ما نقلت وكالات الأنباء الرسمية في المملكة، فإن الاتصال الأول جاء بمناسبة تسعين عاماً على العلاقات بين البلدين، وأما الاتصال الثاني فجاء قُبيل ساعات من بدء الهدنة في سورية والتي نعيشها هذه الأيام على وقع خروقات قد تنذر بانهيارها. تُفصح لنا هذه الاتصالات المتقاربة بين الجانبين، وتحديداً من الكرملين، رغبة موسكو جعل الطريق إلى الرياض سالكاً، وذات الرغبة موجودة لدى الجانب السعودي المهتم بتطوير وترسيخ علاقاته مع الجانب الروسي المهتم بشكل كبير بالمنطقة.
ويعكس الاهتمام المتبادل حالة الاحتفاء التي تبديها موسكو لوفود الرياض التي كان آخرها وفد مجلس الشورى الذي التقى بالفعاليات السياسية والثقافية هناك والتي أبدت حرصها على رفع مستوى التعاون الثنائي مع المملكة في شتى المجالات.
تلتقي المملكة وروسيا وتتفقان في مجالات عدة وتختلفان في سورية، فالجانبان لديهما تصور مختلف في الطريقة التي يجب أن يُسدل بها ستار هذه الأزمة التي توالدت منها عدة أزمات لم تسلم منها الدول، لكن الوضع في سورية اليوم هو تحت الإدارة الروسية التي تريد أن تفضي الأزمة إلى حل قد لا يكون واضحاً بالنسبة للرياض التي ترى ألا مكان لنظام قتل حوالي نصف مليون إنسان وهجّر ملايين..
هذه الأزمة الخطيرة لا شك أنها نذير شؤم دولي؛ فالإرهاب وجد له موطئ قدم هناك، واللاجئون تقاطروا على كل الدول، وهذا في نهاية الأمر ليس في صالح أي دولة، وإن رأت موسكو أن فيه خدمة لبعض من أجندتها، لكن خروج هذه المتغيرات عن السيطرة قد يأتي بنتائج إيجابية، وعلى سبيل المثال فإن إطالة أمد الحرب في سورية يزيد من قوة الجماعات المتطرفة التي تقتات على الاضطرابات والقلاقل، وهذا قد ينعكس سلباً على الأمن الروسي تحديداً لاسيما مع دخول موسكو على خط التدخل العسكري المباشر.
يمكن القول إن المنطقة التي تعيش مرحلة فوضى غير مسبوقة بحاجة إلى صوت العقل أكثر من أي شيء، وتدرك موسكو أن الرياض صديق قديم، وإن كانت تلك الصداقة لم تحافظ على زخم متصاعد خلال التسعين عاماً، لكنها بالضرورة تمنحنا قاعدة يمكن الانطلاق منها، وأن تدرك روسيا أن جزءاً معتبراً من الفوضى اليوم يدار من طهران التي تجمعها علاقات سيئة مع دول العالم العربي والإسلامي، وتعاني أشبه ما يكون بالحصار الدبلوماسي بسبب سياساتها الطائشة، تلك السياسات تؤثر على المصالح الروسية مع دول المنطقة ولا تخدمها على المدى الاستراتيجي، إذ إن موسكو اليوم قادرة على الإسهام في لجم السلوكيات العدائية من قبل إيران، التي تشعل الطائفية وتوقد تحت الإرهاب.. من هذا المنطلق فإن روسيا بحاجة إلى شريك بحجم المملكة تعول عليه كثيراً في الحرب الدولية على الإرهاب وفي استقرار المنطقة.. كما جاء على لسان ميخائيل بوغدانوف المستعرب الروسي الذي يشغل اليوم منصباً رفيعاً لدى الرئيس بوتين.
إن المملكة لا تريد أن تستمر سورية ضحية لتجاذبات الدول الكبرى، أو ساحة لتصفية الحسابات بينها، ولأجل ذلك تأمل الرياض في دور لموسكو يُسهم في إعادة سورية إلى حضنها العربي الطبيعي القائم على احترام التعددية والتنوع، فروسيا تدرك تماماً أن أسوأ ما تتعرض له الأقاليم هو محاولة اجتثاثها من جذورها.