الرياض - لا يمكن أن تخطئ عين المراقب حالة التفاهم الكبيرة بين الرياض وباريس، فالبلدان يمتلكان وجهات نظر متطابقة تجاه قضايا الشرق الأوسط، وقد أبدت فرنسا تفهماً كبيراً للفي المنطقة، ووثقت بالمقاربة التي قدمها حلفاؤها وشركاؤها في المنطقة تجاه القضايا التي أفرزها ما سمي "الربيع العربي"، وخالفت الطرح الذي تبنته واشنطن ورؤيتها تجاه عدة ملفات لا سيما الملفين المصري والنووي الإيراني، ذلك التفهم الفرنسي للطرح الخليجي أثبت في نهاية الأمر نجاعته ونجاحه.
وتقود فرنسا جهوداً بارزة في الأمن الإقليمي لا سيما في الحرب على التنظميات المتطرفة، وكانت العاصمة الفرنسية باريس قد شهدت هجمات إرهابية راح ضحيتها 130 شخصاً، وهو أمر أدى لفرض حال الطوارئ في فرنسا، ومن هذا المدخل تسعى الجمهورية الفرنسية أكثر من أي وقت مضى تعزيز تعاونها مع المملكة في مجال مكافحة الإرهاب القائم في الأساس منذ الاتفاقية الأمنية بين البلدين منذ عام 2008.
هذا التعاون سيقود حتماً إلى تلمس أسباب ارتفاع وتيرة التطرف والإرهاب في المنطقة، والذي يعود لعدة أسباب أبرزها التراخي تجاه التدخلات الإيرانية في سورية والعراق والتي أدت إلى نشوء وظهور "داعش" الذي لا يمكن التعامل معه دون القضاء على مسبباته وهو استمرار النظام السوري الإجرامي الذي استطاع بمعاونة طهران جلب الإرهابيين ومن ضمنهم مليشيات "حزب الله" التي صنفت عربياً وخليجياً بكافة فصائلها كمنظمة إرهابية، وهو أمرٌ يتطلب على فرنسا التعامل معه بجدية من خلال دورها الأساسي والجوهري في لبنان أو في الاتحاد الأوروبي المطالب باتخاذ مواقف أكثر وضوحاً لإرهاب "حزب الله"، المدعوم من إيران، وإن من الضروري على باريس رهن توطيد علاقاتها مع طهران بضرورة انخراط إيران بدور بناء وإيجابي في الأزمات الإقليمية كما تعهد بذلك الرئيس هولاند في وقت سابق، إذ يخشى المراقبون أن ينعكس التحسن الاقتصادي ورفع العقوبات على ارتفاع دعم المليشيات الارهابية في المنطقة مما يزعزع أمنها ويضعف من فرص استقطاب رؤوس الأموال الاجنبية التي تكون حذرة للغاية إذ ما تعلق الأمر بالاستثمار في مناطق مضطربة.
إن زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف إلى فرنسا والتي تبدأ اليوم تأتي في سياق الدفع بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين، من أجل إرساء تفاهم أوسع وأكثر تماسكاً أمام قضايا المنطقة التي تشهد تطورات مضطردة على كل الصعد السياسية والاقتصادية على وجه الخصوص، ولأجل ذلك فإن الرياض مهتمة بالحفاظ على زخم العلاقات بين الجانبين عبر تفاهمات تحفظ مصالح البلدين من التحولات الجارية في المنطقة، لاسيما تلك المتعلقة بالأمن الدولي الذي بات اليوم أكثر الملفات حضوراً وتأثيراً