الاتحاد - تعتبر اللغة الفارسية لغة هامشية قياساً لعدد الناطقين بها، حيث لا يمكن مقارنتها حتى باللغة البنغالية أو بأي لغة هندية فرعية، ولعل القيادة الإيرانية تراهن على انعزال الفارسية ومحدودية تأثير وسائل إعلامها، لذلك تسمح لتلك الوسائل بالصراخ والتهجم على الدول العربية والخليجية تحديداً من دون حسابات أو معايير وتحوطات.
لكن من سيخبر طهران وينبه مسؤوليها إلى أن لدى الآخرين مترجمين يرصدون ما ينشر في صحف إيران من إسفاف وحماقات، تكشف أن العالم يتعامل ليس مع دولة، بل مع حظيرة لتفريخ الشتائم بهدف مغازلة الشارع الإيراني وتحميسه بالأكاذيب والترهات التي يمكن الرد عليها بسهولة.
في ما مضى من الوقت كانت مهمة الإعلام الإيراني احتفالية غنائية تتحدث بزهو طائفي مقيت عن انتصارات وهمية في الشرق الأوسط. رغم أن التقارير والأخبار التي أوردها إعلام إيران في هذا الفصل الذي انقضى وانتهى تعتبر من الأدلة الساطعة على التدخلات الإيرانية في شؤون الآخرين.
ومؤخراً انتقل إعلام الفقيه المعمم بالحقد إلى مرحلة الانفعال والبكاء على الأطلال، بعد أن تراكمت خسائر إيران في أكثر من مكان، وبخاصة عقب الضربة التمهيدية لوقف التمدد الإيراني في المنطقة العربية متمثلة في إنشاء التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، وهو تحالف قدمت فيه دول الخليج مجتمعة درساً قاسياً للجم التدخل الإيراني في الجزيرة العربية الذي كان الحوثيون أداته الطازجة، وقد نجح الموقف الخليجي الرادع في التعجيل بنهاية هذه الأداة ودفعها لاستجداء التفاوض، تمهيداً لانسحاب فقاعتها تدريجياً من المشهد.
صراخ الإعلام الإيراني وعويله وجد أيضاً في لبنان نكبة أخرى تتعلق بتضييق الخناق على ميليشيات «حزب الله» الذي يواجه موقفاً صعباً بعد أن أصبح في نظر اللبنانيين في موقف تحدٍّ لمصالح لبنان وأمنه.
وفي العراق أيضاً قصة خسارة إيرانية أخرى، تتلخص في انقسام حاد داخل حلفاء طهران ينذر بانهيار نفوذها على المدى القريب في العراق الذي عانى الويلات من الغزو الأميركي، وتالياً من الوصاية الإيرانية التي ترتخي قبضتها تدريجياً في كل مكان، ولم يعد أمامها سوى الضحك على الشعب الإيراني بكتابات صحفية متطرفة تلجأ إلى لغة ميتة ومحنطة.
وما يحدث الآن في إعلام إيران هو الانتقال من المرحلة الاحتفالية إلى الصراخ والعويل وكيل الشتائم لإشباع نهم الجمهور الإيراني المتطرف الذي يتضاءل مع مرور الوقت لصالح جيل جديد يدعو لعدم التدخل في شؤون الآخرين، بينما يعتبر النظام الإيراني التدخل الخارجي ضرورياً لبقائه!
ويحكي تاريخ إيران المعاصر أنها تعتاش على أوهام ثورية تنتمي إلى ثمانينيات القرن الماضي، منذ أن احتوى رجال الدين الثورة ضد الشاه، وقاموا بالتنكيل بالمعارضين الذين كانت لديهم تصورات لإيران جديدة، ولم يكن من المتوقع لدى الكثيرين أن تحصل تلك الانتكاسة، وأن يتحول الفقهاء إلى جلادين ومروجين لشعارات أرادوا من الشعوب الإيرانية ترديدها معهم بخنوع حتى اليوم.
تعتمد أيديولوجيا فقهاء إيران على صناعة الهزائم ثم الحديث عنها إعلامياً بوصفها انتصارات. وهذه العدوى انتقلت إلى أتباع طهران وعملائها الذين يتلذذون بموسم انهيار جماعاتهم في أكثر من مكان.
وعلى المستوى العربي هناك أربع نقاط ساخنة عاثت فيها إيران فساداً، وكلما زادت الفوضى فيها ابتهج حكام إيران، لأن معيارهم في الانتصار وبسط النفوذ هو إنجاز أكبر قدر ممكن من الخراب في البلدان التي يمتلكون فيها وكلاء يقومون بتنفيذ الأجندة المرسومة بعماء وخيانة لا حدود لها.
ومن خلال شواهد وممارسات عديدة، اتضح أن المتأسلمين بمختلف أصنافهم لا يدينون بالولاء لأوطانهم، ولا يعترفون إلا بمقولات وتنظيرات زعمائهم، ولقد كان الخميني مؤسس الفوضى الطائفية من المعتنقين لفكرة اللاوطن مثل غيره من المتاجرين بالدين، الذين يتوقون للعالمية على حساب أوطانهم وشعوبهم المنكوبة بتطرفهم وغرورهم، ولأن الغرور مقبرة للمواهب، فإن موهبة وسائل إعلام فقهاء إيران في نشر الأكاذيب تقودها دائماً إلى مقبرة مؤكدة نتيجة لاعتمادها على الادعاءات الزائفة.