العرب - تلتقي النساء فتفضفض كل منهن ما بجعبتها من هموم ومشاكل، مصحوبة بعبرات محبوسة في مآق تتربص بالدمع حتى تسقطه أنهارا تظنها تغسل أحزانها وتذهب بهمومها إلى غير رجعة. وللأسف تجاملها النساء بالبكاء والمبالغة في إظهار الحزن والتأثر، بدلا من رسم ابتسامة عريضة على ثغرها ربما كانت حافزا لها ولهن على الفرح والسعادة ونسيان مشكلات بسيطة بل تافهة تؤرق حياتهن.
الكارثة أن تجمعات بعض النساء أصبحت تجمعات للنكد وجلب الحزن والهم بدلا من أن تصبح مصدرا للسعادة، فالكثيرات من النساء ما إن تجتمعن بصديقاتهن حتى تبدأن في سرد هموم كان من الممكن نسيانها واستكمال مشوار الحياة أو معالجتها بالعقل والوعي والحوار، فلن يحل البكاء شيئا.
انتشرت مجموعات نسائية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لمشاطرة نساء حزنهن ومشاكلهن، وبدلا من حلها وممارسة فعل الحياة بكل تفاؤل وحب بعد تخطي المشكلات، تجد طاقات سلبية سرت بين الجميع بالإغراق في سرد قصص ومآس يشيب لها الوليد، فكل واحدة منهن تقص مأساة تبالغ في حبك تفاصيلها وقد تفوق الواقع المعيش بكثير، فلو التزمت الصدق لكانت القصة أبسط مما روتها، ولو التزمت الصمت وذهبت إلى مختصين في مجال الطب النفسي، لكان أوقع ولو تخطت حزنها بابتسامة ورسمت ضحكة على شفتيها ووجوه من حولها لكان أنسب.
الدموع لا تحل المشكلات وإنما تزيدها تعقيدا وتنميها وتجعلها تتكاثر بما يفوق الحد، الدموع في فلسفتها قد تكون تنفيسا لضغوطات يومية تحتاج لاغتسال لحظي وعدم النظر إلى الوراء لاسترجاع المشكلة وإبقائها ومواصلة التفكير بها كثيرا، الغريب أن بعض تجمعات النسوة عادة ما تركز على الجوانب المظلمة بحياتنا، وإخراج محتويات صناديقنا السوداء، وبث طاقات سلبية وإحباطات تسري موجاتها بين البشر، فيلتقطونها ويبدأون بدورهم في فض صناديقهم السوداء وإخراج ما بجعبتهم من أسرار حياتية حالكة السواد والظلمة.
ماذا لو تقابلنا بابتسامة سعيدة ونظرة حب وتفاؤل وبث موجات السعادة والفرح بيننا وبين الآخر لعله يلتقطها وتسري بداخله طاقة إيجابية تدفعه إلى السعادة والتجدد والعمل بحيوية ونشاط، ماذا لو تلاقينا بمقولة “سمعت آخر نكتة” نطلق النكات لنضحك ونجدد طاقات قلوبنا، نمنحها استرخاء، وهدوءا، وسلاما نفسيا. ما لا يعرفه الكثيرون أن الضحك يفيد الجسد، ويزيد من سريان الأكسجين بالدم ويساعد الجسم على الهدوء، ويوسع الشعب الهوائية، ويخفف من الشعور بالألم عن طريق رفع نسبة مادة “الإندروفينس” بالجسم.
الضحك يفرغ الطاقة السلبية بداخلنا ويمنحنا حبا مضاعفا للحياة والبشر من حولنا، ويقوي أداءنا العقلي وينشط ذاكرتنا، ويشحن بطاريات الحياة بالمزيد من الطاقة.
الفكاهة اللطيفة غير المبتذلة مستحبة وواجبة لتخليص القلوب من أعبائها، والأدب العربي زاخر بالتحفيز على إطلاق الدعابة والاحتفاء بقائليها ومروجيها. وهي تقلل من وجع الهزيمة والانكسارات اليومية ومنغصاتها، كما تساعدنا في التغلب على الصعوبات النفسية، وتعطينا قوة دفع نفسية هائلة تقينا من الأزمات العاطفية أو ما يسمى “انكسارات القلوب”.
ونظرا لأهمية الفكاهة في التفريغ النفسي لشحنات الغضب والعنف، فقد كان الجراح هنري دي موندفيل يروي لمرضاه النكات فور خروجهم من غرفة الجراحة لرفع روحهم المعنوية وشحذ همتهم لتسريع عملية الشفاء.
وفي عام 2000 حين عقد المؤتمر الدولي الرابع للفكاهة، تحدث الطبيب الأميركي ويليام فراي عن مهنته العلاج بالضحك بالمزيد من الفخر، حيث وصف هذا النوع من العلاج بنظرية جاليلو عن دوران الأرض، وكيف أن أناسا استقبلوا مهنته بشيء من السخرية حتى أصبحت من أفضل الوسائل العلاجية المتبعة حديثا في الدول الأوروبية، وخصصت كبرى المستشفيات بأوروبا وأميركا والهند واليابان “غرفة المرح” لاعتماد العلاج بالضحك.
قال الأديب العربي العظيم أبوعثمان بن بحر الجاحظ في الفكاهة “من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكبر”.