الحياة - عندما وجه صحافي ألماني، من منطلق إنساني وربما آدمي فقط، سؤاله إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد: «هل تستطيع أن تنام؟!»، لم يكن يخطر في باله ولو للحظة واحدة أن يأتيه جواب الأسد بهذا الشكل: «أنا أبحث عن ساعات للعمل، وليس للنوم».
كانت في ذهن الصحافي، وهو يوجه سؤاله، صور الآلاف من النساء والأطفال السوريين يغرقون في البحر وهم يهربون من بلدهم أملا في بلوغ شواطئ أوروبا، وعشرات آلاف الذين يقيمون في العراء على الحدود المقفلة أمامهم، وأكثر من ثلاثمئة ألف قتيل وضعفهم من الجرحى والمعوقين، وملايين المشردين داخل بلدهم وفي جواره القريب والبعيد. كانت في ذهنه أيضاً المسؤولية التي يتحملها الحاكم عندما يستخدم السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة ضد شعبه، وإمكان (مجرد إمكان) أن يؤثر ذلك نفسياً فيه كإنسان قبل أي شيء، وتالياً على عدد ساعات نومه أو نوعه... عميقاً مثلاً، أو قلقاً، أو متقطعاً، أو غير ذلك.
وليس خافياً أن الأسد لم يكن موجوداً قبالة صاحب السؤال، لا كحاكم مسؤول عن مصير بلد وحياة شعب، ولا كإنسان أو ككيان بشري خصوصاً، لهذا جاء جوابه على الشكل الذي جاء عليه: التفتيش عن المزيد من الوقت لإنزال المزيد من التدمير بالبلد والبطش بالشعب السوري.
هذه الصورة تبدو الأبشع، ليس فقط لدى الصحافي الذي أجرى المقابلة مع الأسد، وقد لمّح إلى هذا بصراحة، بل كذلك في عيون كل من قرأها أو اطلع عليها، عشية انتهاء خمسة أعوام كاملة من ثورة الشعب السوري ضد نظام الأسد في 15 آذار (مارس) الحالي.
ذلك أن رئيس بلد يرى بعينيه (هل يرى فعلاً؟!) قرابة نصف الشعب الذي يحكمه (10 ملايين من أصل 23) وقد تشرد في أنحاء المعمورة كلها، وسقط منه مئات الألوف قتلى وجرحى ومعوقين، كما دمر الكثير من مدنه وقراه وبناه التحتية بصورة كاملة أو جزئية، ثم لا يهتز له جفن أو ضمير نتيجة ذلك، بل يفتش، كما صرح، عن المزيد من الشيء ذاته، إنما يستدعي من الكراهية والحقد والتمرد ما لا تملك عبارة الإحاطة به، ليس لشخصه وقواه العقلية فحسب إنما قبله لمبتدع أسطورة «سورية الأسد» الأول، حافظ الأسد الذي صاغ أسطورته هذه بدماء السوريين، ثم أورثها عملياً، مع الأرض والشعب والدولة، إلى ابنه بشار قبل أن يغادر الدنيا في 2000.
إذ لا يمكن تصور أن تحل بسورية الكارثة الأسوأ في العصر (الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما تقول الأمم المتحدة)، ويبقى رئيس النظام فيها يعيش حياته كأن لا شيء يعنيه. بل أكثر، أن يتوهم أن في إمكانه أن يواصل الحكم فيها بعدما فقد السيطرة على أكثر من ثلثي الأرض واستدعى ميليشيات وجيوشاً من الخارج للمحافظة على الثلث الباقي... وحتى أن يظن، كما نقل عنه أخيراً، أن في قدرته الدعوة ثم إجراء انتخابات نيابية ورئاسية تعيده وفريقه إلى الوضع السابق من دون تبديل أو تغيير.
كما لا يمكن تخيل أن يعمد هذا «الرئيس»، فيما تحاصر قواته والميليشيات التي استدعاها من الخارج مئات الألوف من السوريين وتمنع عنهم الغذاء والدواء، إلى شن حملة لا تتوقف على دول ومنظمات أممية وإنسانية خاصة تحاول تقديم العون للمحاصرين، وحتى أن يظهر كمن يمنّ عليها عندما يقرر فك الحصار موقتاً للسماح بمرور المساعدات. بل أبعد، أن يتهم الدول والمنظمات هذه بالتآمر على سورية وبأنها تلعب دوراً مخابراتياً وعسكرياً ضدها، بينما يعرف القاصي والداني أن أحداً من حلفائه هو (روسيا وإيران والعراق) لم يقدم حبة دواء أو سلة غذاء واحدة للمحاصرين هؤلاء... ولو إلى جانب أطنان القذائف التي يمطرونهم بها منذ سنوات!.
مع ذلك كله، فهذا «الرئيس» الاستثنائي جداً، والذي يسمع الأوصاف التي تطلقها عليه غالبية زعماء العالم من أنه فاقد الشرعية وقاتل شعبه، لا يرى لزوماً بعدما مرّ به منذ بدء الثورة ضده، لا للأرق في النوم (وما قد يؤدي إليه من عزوف أو استقالة) على خلفية ما يعانيه شعب بلده من تشريد وجوع ومرض وبرد في العراء، ولا حتى للاعتراف بالحقائق السياسية الجديدة في هذا البلد بعد 5 سنوات كاملة من القتل والتدمير على يديه وأيدي حلفائه.
لماذا؟ هناك من يجزم بأن الأسد لم يعد يملك ما يمكن أن يقوم به، حتى لجهة الأرق في النوم أو الاستغراق فيه إذا ما كانت له حاجة به. وأنه، بعد مراهناته الكثيرة على قوة نظامه وقوة حلفائه من جهة وعلى تعب الثوار بما يؤدي إلى استسلامهم من جهة أخرى، بات رهينة من دون أي قرار في أيدي هؤلاء الحلفاء.
هكذا، لم يعد يوجد في سورية الآن رئيس، وتحديداً هذا «الرئيس» الاستثنائي وغير الطبيعي الذي توجه إليه الصحافي الألماني بسؤاله: «هل تستطيع النوم؟». فهذا السؤال، يرتفع عملياً في وجه كل من المرشد الإيراني السيد علي خامنئي والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله... من دون أن ننسى طبعاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.