2016-03-17 

العراق: زهايمر السياسيين وشوكولاتة الإصلاح

ياس خضير البياتي

العرب - ما يجري في العراق الجديد حكايات تبدو أغرب من غرائب الطبيعة وأسرارها، وأغرب من كل أساطير الحضارات وغرائبها، فهي مسرحية تراجيكوميدية من الطراز الغريب، فالنوائب لا تأتي فرادى، هنا يهمز أبو الطيب ويلمز ويغمز “مصائب قوم عند قوم فوائد”.

 

لا يكفي إخواننا السياسيين تدمير أوطانهم، وتشريد شعبهم بالقتل والقمع والاستبداد والتهجير الطائفي، وبيع العراقيات سبايا، وقطع أرزاق الناس، وتخفيض رواتب الموظفين والمتقاعدين، إلا بتأزيم الأزمات وافتعالها، وإدارة الأزمات بالأزمات، بحيث يمطروننا يوميا بحكايات تبدو وكأننا خارج الزمن. بل يختصرونها لنا بالسؤال التالي “البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة”، بحيث تجعل دماغ العراقي يلف ويدور في دوامة من الحيرة والقلق: هل تدنى الحد الأدنى من ذكاء السياسي العراقي إلى حد وقوعه في هذه المهازل السياسية والصبيانية السياسية؟.

 

الأرجح أن هؤلاء السياسيين يحتالون علينا بأزمات يومية، مرة باسم الإصلاح، وتارة أخرى بالتغيير الوزاري، ومدن الوطن تئن تحت احتلال داعش والأغراب من كل أنحاء العالم، وميزانية الوطن خاوية على عروشها، والفساد بلا حساب ولا كتاب، وقد أهدروا 800 مليار بالتمام والكمال، وهي تبني دولا كبرى مثل سنغافورة أو ماليزيا.

 

اختطف هؤلاء السياسيون، من هذا الطرف وذلك الطرف، الوطن بالسرقات والأزمات، ومع ذلك يصرون على أن حياة الوطن خمسة نجوم والأمور على أحسن حال، ولكن المشكلة فقط هي التغيير الوزاري، لأن حيدر العبادي يرى أن طاقمه “تعبان”، ولا بد من إصلاحه بالتكنوقراط وبعدها يتعافى الوطن ويعيش المواطن في عيش رغيد. والبعض من السياسيين يعتقد أن الشكولاتة مشكلة البلاد، لأن العباد يستهلكونها أكثر من سرقات المال العام ورواتب الرئاسات والوزراء وأعضاء البرلمان. ولسان حالهم يقول “أيها العراقيون وفروا فلوس الشوكولاتة من أجل الحفاظ على ميزانية العراق وشفاء ممثليكم في البرلمان من أمراض البواسير والزهايمر؟”.

 

لا أدري إلى هذه اللحظة، كيف يدار الوطن، بصبية من مراهقي السياسة وسياسيي الصدفة، وشيوخ مصابين بالزهايمر، وتكنوقراط من بائعي الخضروات والفواكه وتجار من الدرجة العاشرة، وسماسرة عقارات وبنوك، ورجال دين يحبون الدنيا، ومثيري الفتن الطائفية، ويعتاشون على أزمات العباد وطقوسهم وخيرات الصدقات ونعمها؟ سياسيون سارقون إذا ما تحدثوا إلى وسائل الإعلام ينتقدون الفساد والسرقات، وكأنهم يريدوننا تصديقهم أن الشعب هو السارق، بل إن كل أحزاب الوطن تندد باللصوص، ثم انتهت عجبا باللصوص.

 

أما أحزاب الوطن من كل الأطراف، فحدث ولا حرج، مشاريعها تتجه إلى العموميات ولا تقدم حلولا واقعيّة للمشكلات العراقية، وإنما تحاول دغدغة عواطف الناس ومزاجهم وحاجاتهم بشكل بدائي يستند إلى ثقافة تقليدية عمرها أكثر من نصف قرن، بمعنى أن هذه الأحزاب تتجه إلى النمط التقليدي في تشكيلتها ومشاريعها، فلا يزال البرنامج السياسي يتأطر بثقافة البيئة التقليدية، ومثقلا بالماضي وردود الفعل، وبآليات الربح والخسارة، وبروح اقتناص الفرص، والتلاعب بالعواطف والغرائز، وبأسلوب دكتاتورية الماضي.

 

ومن الغرابة أن تدعو هذه الأحزاب إلى الديمقراطية وتداول السلطة، وهي نفسها تمارس الدكتاتورية الحزبية بين أعضائها، ومازال الكثير من رؤساء الأحزاب العراقية يحكمون أحزابهم منذ نصف قرن. فهذه الأحزاب ما تزال تكرس مفهوم الفرد الواحد والقائد الواحد، وإشاعة ثقافة الولاء الطائفي أو القومي أو الديني بين أعضائها.

 

ومثلما تكون المواطنة جوهر وجود العراق ووحدته وقوته، فإن الحاجة ملحة إلى تجذير الديمقراطية في الأحزاب، وتعميق ثقافة الديمقراطية باتجاه تداول سلطة الحزب، وتعصير أداء السياسي العراقي واستيعابه للعبة الديمقراطية، وإشاعة ثقافة الصوت الرافض داخل البرلمان واحترام رؤيته واجتهاداته، والأهم أن يكون هناك تلون سياسي داخل كل ائتلاف طائفي أو قومي يقضي على سيادة الحزب الواحد داخل الطائفة، بمعنى أن يكون الائتلاف الموحد عراقيا وليس شيعيا، والتوافق عراقيا وليس سنيا، والتحالف الكردي عراقيا وليس كرديا. وهذه المهمة لا يمكن أن تقوم بها إلا أجهزة وطنية تجعل مصلحة العراق فوق الجميع.

 

المصيبة أن الوطن في مفترق طرق، إما أن يكون وإما لا يكون، والمشهد السياسي يزداد سوادا بالمشكلات والتنابز بالألقاب والطوائف. لم يعد يشعر الناس بالأمل في ظل حكومات وأحزاب تفتقر إلى العقلانية، ورجال سياسة قادتهم الأقدار إلى أن يصبحوا قادة لبلد كان مضرب الأمثال في الدنيا، وأزمتنا اليوم أننا لا نملك رجال دولة، وإنما سياسيين مصابين بزهايمر السياسة الذي يجعلها “تعرض خارج الزفة” ولا نزال دون مرحلة الرشد السياسي، وتكنوقراطا في السرقات والغنائم، وسياسيين يأكلون الشكولاتة الأجنبية ويحذرون العباد بمضار الشكولاتة المحلية، لأنهم حريصون على أن يفيق الوطن من ركام الرماد.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه