الرياض- الكتاب انعكاس للحضارة، لا شك في ذلك ولا ريب، وعندما يقوم الغزاة بحرق الكتب في أي بلد يُغيرون عليه إنما يقومون بذلك رغبة منهم في طمس حضارة تلك الأمة وتغييبها عن المستقبل، وكأن أحداً لم يمر من هنا، وإن مر لم يترك أثراً.
أوصد معرض الرياض الدولي للكتاب أبوابه، لكنه ترك أثراً في ذهن كل من ارتاده، فالذين اصطفوا أمام دور النشر، يرمقون العناوين فوق الأرفف التي ازدحمت بالكتب، لم يخرجوا كلهم مقتنعين بما عُرض، وهذه برأينا علامة صحية في كل الأحوال تدل على ارتفاع الذائقة لدى القراء، وحافز على إثراء المعرفة، وحث لناشر على رفع سقف ما يتناوله وما يطرحه في كتابه.
يمتد أثر الكتاب ليتعدى من يقرأه ومن يقتنيه ويدخله بيته، إنها عدوى حميدة تصيب من يخالط الكتاب والقارئين على حد سواء، ولتلك العدوى علامات لا تلبث إلا أن تظهر على من اكتسبها، فالوعي والمنطق والرزانة والرصانة والنقد الموضوعي والتفكر كلها أو بعضها قد تعتري القارئ، والأهم من ذلك انعكاسها على المجتمع بكل تفاصيله.
لا يجب أن تكون القراءة لحظة عابرة أو أياماً معدودة، يجب أن تكون طقساً يومياً نجد أنفسنا ملزمين بممارسته وتلقينه لمن هم تحت أيدينا، إنها حصن وحصانة.. لا يجب أن نخشى الكتاب؛ بل علينا أن نخاف الجهل ونغلق أمامه الأبواب، ولا يجب أن نخشى التفكير، بل علينا أن نحض عليه من نراه قد انصرف إلى التلقين، وإن رأيتم من يحثكم على التلقين فانصرفوا عنه، فقد أراد بكم جهلاً.
إن الاهتمام بالقراءة وإطلاق مشروعات المعرفة هي ما يضمن استدامة النهضة والحضارة، ولنتأمل الشعوب التي تركت إرثاً معرفياً خلفها كيف خلّدها التاريخ والجغرافيا، ومن باب أولى أن نعلم بأن غالبية المسلمين والعرب لم يكونوا ينظرون إلى المعارف باعتبارها أمراً يجب الارتياب منه؛ بل على العكس، فقد أسهمت حضارتنا الإسلامية في توطيد العلم ونقله واحتضانه، ولولا تلك الممارسات لما رأينا حجم التقدير الذي يُكيله الأضداد لحضارتنا وإسهاماتها البشرية.
من هذا المنطلق فإننا لا ريب مدعوون إلى تنويع ممارساتنا وأنشطتنا المعرفية والثقافية، وألا تقتصر على الكتاب وما يدور في فلكه، بل أن نخرج من هذه المجرّة إلى أشكال ثقافية أخرى، لنخلق احتفائية تكون رديفة لمعرض الكتاب، وتصب في خانة إيجابياته، كإقامة المعارض التشكيلية أو إطلاق مسرح يهذب ما تعتريه أنفسنا وعقولنا من آثار ما يحيط بنا من تلوث أو سخم نشأ بفعل مقتضيات وظروف عصرنا ومنطقتنا، وبذلك نسهم في إعمار عقولنا قبل إعمالها.