العرب - يبدو الوضع في العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم مشوشا للغاية لدى الكثيرين، والظاهر أن هذا التشويش ليس فعلا عفويا فرضته كثرة الأحداث وتشابك الأيدي الفاعلة والمؤثرة في الأحداث لدرجة التعقيد، بل يكاد أن يكون هذا التشويش مقصودا ومخططا له من قبل جهات داخلية وخارجية.
عراق اليوم يعيش مخاضا كبيرا، ينتظر الفرج من حكامه، والشعب ينتظر على أبواب المنطقة الخضراء بيضة حيدر العبادي، وهي بيضة إما تكون صالحة للأكل، أما أنها بيضة فاسدة، وعلم الجينات يقول الفاسد يولد فاسدا، ولا رجاء للشفاء إلا بتغيير جيناته، وهذا يعني بأنه لا أمل لهذه البيضة المنتظرة إلا بشعار السيد مقتدى الصدر (شلع.. قلع). لأن مدة الانتظار (45 يوما) ربما كانت مقصودة من العبادي لأن مدة تفقيص البيض ليخرج لنا بكتاكيت جديدة معروفة. ومع ذلك لا ندري إذا كانت هذه الكتاكيت السياسية من جينات السياسيين الآباء أم أنها صناعة جديدة من صنع تكنولوجيا التفقيص، أم من مزارع الدول المجاورة. ومع ذلك ندعو الله أن تنتج لنا بيضة العبادي التي انتظرناها كتاكيت من السياسيين أصحاء عقل وغير مرضى بالزهايمر وغير مجانين مال وسلطة وطائفية.
ولا ندري إذا كانت المظاهرات التي دعا إليها الصدر، هي مظاهرات حاسمة أم أنها ستكون موسمية ترتبط بالعرض والطلب والمساومات السياسية، أو لضغوط جهات أجنبية معروفة، فقد اعتدنا هذه اللعبة. ومع ذلك نعرف أن الرجل محاصر من كل الجهات، بل مهدد بالقتل، وهو أحيانا يغرد خارج السرب السياسي. أقول وأتمنى أن تكون هذه المظاهرة آخر الأحزان للعباد، وأن تستمر في قوتها وعنفوانها، وأن تكون جادة في مطالبها، وتبشر بغد أكثر إشراقا. وأجمل ما في هذه التظاهرات أنها ترفع علم العراق، لا شعارات طائفية، ولا رايات للأحزاب، ولا صورا للرؤساء، ولا سلاحا للتهديد والوعيد. الكل يشارك ولا وصاية من أحد. لكن الأمنية الأكبر أن تبدأ باستراتيجية أوضح بعد المدة المقررة برفع شعارات أقوى ولنبدأ بشعار “ارحلو” ثم “الشعب يريد إسقاط الحكومة”، لأن قيمة المظاهرات في قوة مطالبها وشرعيتها.
من حق الشعب أن يعرف حقيقة ما يدور وما يفكر فيه أصحاب الانتفاضة، لأنه جرب هذه التظاهرات وعاش أيامها ولبى نداء الصدر أكثر من مرة، ولكنه يجد نفسه دائما في دوامة المزاج السياسي ولعنة المساومات وهدوء عاصفة التظاهر بدعوى المرجعية والحفاظ على أمن الوطن من داعش، وإعطاء الفرصة للآخرين، وعفا الله عمّا سلف، بحيث جعل عباد الوطن يكفرون بكل السياسيين.
لا نريد أن نقلل من أهمية التظاهر، ولكننا نريدها أن تكون حقيقية في أهدافها النبيلة، ولا تتوقف من أجل تحقيق مصلحة فرد أو حزب، فالمشكلة ليست في أنه لا يوجد حل ولكن المشكلة أن لا أحد يريد الحل، لذلك لا تلوموا الذين يرفعون سقف المطالب، ولوموا الذين يرفعون سقف العناد السياسي.
الشعب يعرف اليوم بأن الصراع السياسي في العراق، هو صراع سلطة ومال، ولهذا يشكك البعض في أن الدعوة لهذه التظاهرات هي صراع بين الأحرار والدعوة، بل هو صراع شخصي بين مقتدى الصدر ونوري المالكي، وتصفية حسابات قديمة-جديدة. لذلك بات الشعب بقنواته العديدة وتغريداته في التواصل الاجتماعي يتجه إلى تفعيل هذه الأفكار ونشرها. لكننا مع ذلك نقول، بأمل، نحن مع الشعب في احتجاجاته ومطالبه، ومع السيد الصدر إذا كان جادا في دعوته إلى إنهاء أمراض العملية السياسية.
والأهم ألا يقبل المتظاهرون لقاء لجنة حوار الرئاسات الثلاث لأنهم يريدون إبقاء الفاسدين يعبثون بالوطن، والمحاصصة الطائفية لقتل العباد، بخداع وتضليل الحوار وتغيير مسارات المطالب وتعطيلها، وتخدير العباد بآمال خادعة ومضللة. إنهم لا يريدون أن ترحل الحكومة بل أن يرحل الشعب.
اختطف هؤلاء الصبية من مراهقي السياسة الوطن والشعب والثروات خلال السنوات الماضية، وأشعلوا حرائق الطائفية، وأسسوا قنوات إعلامية طائفية هدفها تهديم القيم العراقية، وإثارة نوازع الفرقة بين الطوائف والقوميات والأديان، وصناعة قادة من ورق يجهلون أبسط أبجديات السياسة والدبلوماسية. قنوات لا تبالي بالشعب ومطالبه، وإلا ما تفسير أن يمتلك العراق المئات من القنوات التلفزيونية، ومنها الدينية بالطبع، وهي مشغولة عن التظاهرات الشعبية بإثارة الفتن الطائفية، وتجهيل الناس وصراع الأقوام والأديان، وبرامج الطبخ والأبراج.
وهل من المعقول أن نجد بعض القنوات الوطنية تغرد خارج السرب العراقي، لتنقل لنا التظاهرات على الهواء مباشرة، وتثوّر الجمهور على فعل الاحتجاج السلمي، وتوعيته بمطالبه المشروعة. ولأن الدولة تبشرنا يوميا بالديمقراطية وحرية التعبير، فإنها حريصة أيضا على غلق منافذ التعبير الوطني، كما فعلت مع البغدادية، فاقتحمت مكاتبها بجيش جرار لتسكت صوتها ودورها الوطني في الوقوف مع الشعب، ولتظهر لنا حقيقة استبداد الدولة مع من يختلف معها.
نعم لقد وقع الشعب تحت استبداد سياسي، بغطاء ديمقراطي مزيّف، وهو موقف يذكرنا بالكواكبي حين يوجه النداء لقومه “يا قوم أعيذكم بالله من فساد الرأي وضياع الحزم وفقد الثقة بالنفس وترك الفرادة للغير”. لذلك أقول إن الاستبداد صفة للحكومة مطلقة العنان، تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب.
نحن بانتظار بيضة العبادي التي ينتظرها الشعب، وننتظر أيضا مقالع السيد الصدر، لكننا نعرف الحقيقة بأن الدجاج يرقد على بيضه ليفقس، ويرقد الحكام على شعوبهم لتفطس. ونعرف عبر التاريخ أن المواطن يموت من أجل الوطن وليس العكس.. وسوف يعبر الوطن هذه المحنة لأنه العراق.